تحرّك الشيعة في الكوفة
و إيفاد مسلم
حينما أشيع هلاك معاوية في الكوفة أعلنت الشيعة أفراحها بموته وعقدوا مؤتمراً
شعبياً في بيت أكبر زعمائهم ، وهو سليمان بن صرد الخزاعي ، واندفعوا إلى إعلان
الخطب الحماسية فيها وقد عرضوا بصورة شاملة إلى ما عانوه من الاضطهاد والتنكيل ، في
أيّام معاوية ، وأجمعوا على بيعة الاِمام الحسين ، ورفض بيعة يزيد ، وأرسلوا في نفس
الوقت وفداً منهم ليحثّ الاِمام على القدوم إلى مصرهم لتشكيل حكومته ليعيد لهم
الحياة الكريمة التي فقدوها في ظلال الحكم الاَموي ويبسط في بلادهم الاَمن والرخاء
، وترجع بلدهم عاصمة للدولة الاِسلامية كما كانت أيّام أبيه الاِمام أمير المؤمنين
عليه السلام ، وكان من بين ذلك الوفد عبدالله البجلي ، وأخذ الوفد يسرع في سيره
حتّى انتهى إلى مكّة ، فعرض على الامام مطاليب أهل الكوفة ، وألحّوا عليه بالاسراع
إلى القدوم إليهم.
رسائل الكوفة
ولم يكتف الكوفيون بالوفد الذي بعثوه إلى الاِمام ، وانّما عمدوا إلى إرسال آلاف
الرسائل إليه أعربوا فيها عن عزمهم الجادّ على نصرته ، والوقوف إلى جانبه ، وانّهم
يفدونه بأرواحهم وأموالهم ، ويطلبون منه الاِسراع إلى مصرهم ليشكّل فيه دولة القرآن
والاِسلام التي هي غاية آمالهم وحملوا الاِمام المسؤولية أمام الله والتأريخ إن لم
يستجب لدعوتهم. ورأى الاِمام عليه السلام أنّه قد قامت عليه الحجّة الشرعية ، وان
الواجب يحتّم عليه إجابتهم.
إيفاد مسلم إلى الكوفة
ولمّا تتابعت الوفود والرسائل من أهل الكوفة على الاِمام ، وهي تحثّه على القدوم
إليهم ، لم يجد بُدّاً من إجابتهم ، فأوفد إليهم ثقته وكبير أهل بيته ، والمبرز من
بينهم بالفضيلة وتقوى الله ابن عمّه مسلم بن عقيل ، وكانت مهمّته خاصة ومحدودة ،
وهي الوقوف على واقع الكوفيين ، ومعرفة أمرهم ، فان صدقوا فيما قالوا توجّه الاِمام
إليهم وأقام في مصرهم دولة القرآن.
ومضى مسلم يجد في السير لا يلوي على شيء حتى انتهى إلى الكوفة فنزل في بيت زعيم من
زعماء الشيعة ، وسيف من سيوفهم ، وهو المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، الذي كان
يتمتّع بخبرة سياسية واسعة ، وشجاعة فائقة ، ودراية تامة بالشؤون النفسية
والاجتماعية ، وقد فتح المختار أبواب داره إلى مسلم ، وصار بيته مركزاً للسفارة
الحسينيّة. ولما علمت الشيعه بقدوم مسلم سارعوا إليه مرحّبين به ، ومقدمين له جميع
ألوان الحفاوة والدعم ، والتفوا حوله ، طالبين منه أن يأخذ منهم البيعة للاِمام
الحسين عليه السلام ، واستجاب لهم مسلم ففتح سجلاً للمبايعين وقد أحصي عددهم في
الاَيام القليلة بما يزيد على ثمانية عشر ألفاً ، وفي كل يوم يزداد عدد المبايعين
منهم ، وألحّوا عليه أن يراسل الاِمام بالاِسراع إلى القدوم إليهم ليتولّى قيادة
الاَمة ، .. ومن الجدير بالذكر أن السلطة المحليّة في الكوفة كانت على علم بمجريات
الثورة ، وقد وقفت منها موقف الصمت ، فلم تتخذ أي اجراءات ضدّها ، ويعود السبب في
ذلك إلى ان حاكم الكوفة النعمان بن بشير الاَنصاري كان من المنحرفين عن يزيد بسبب
مواقفه المعادية للاَنصار ، ومضافاً إلى ذلك فان ابنته كانت زوجة المختار الذي
استضاف مسلماً ووقف إلى جانبه.
ومن الطبيعي أنّه لم يرق لعملاء الاَمويين وأذنابهم موقف النعمان المتّسم بالليونة
وعدم المبالاة بالثورة ، فبادروا إلى الاتصال بدمشق ، وعرّفوا يزيد بموقف النعمان ،
وطلبوا المبادرة بإقصائه ، وتعيين حاكماً حازماً يستطيع القضاء على الثورة ، وإخضاع
الجماهير إلى حكمه ، وفزع يزيد من الاَمر ، فأرسل إلى مستشاره الخاص سرجون ، وكان
دبلوماسياً محنّكاً ، فعرض عليه ما ألمّ به وطلب منه أن يرشده إلى حاكم يتمكّن من
السيطرة على الاَوضاع المتفجّرة في الكوفة ، فأشار عليه بتولّيه الاِرهابي عبيدالله
بن زياد فانّه شبيه بأبيه في التجرّد من كلّ نزعة إنسانية ، وعدم المبالاة في
اقتراف أبشع الجرائم ، فاستجاب يزيد لرأيه ، وكتب لابن زياد مرسوماً بولايته على
الكوفة بعد أن كان والياً على البصرة فقط ، وبذلك فقد أصبح العراق كلّه خاضعاً
لسيطرته ، وأصدر إليه الاَوامر المشدّدة بالاِسراع إلى الكوفة لاستئصال الثورة،
والقضاء على مسلم .
* رائد
الكرامة والفداء في الاسلام / باقر شريف القرشي ص1220_122.
|