شَهادةُ الإِمام
الحُسين علي السلام
ولما بَقِيَ الحُسَينُ علي السلام وَحيدَاً
فَرِيدَاً قَدْ قُتِلَ جَميعُ أَصحابِه وأَهلُ
بَيتِه، وَرآهُم عَلى وجهِ الأَرضِ مُجزّرينَ
كَالأضَاحِي، وَلم يَجِدْ أَحَدَاً يَنْصُره
وَيذبّ عَن حَريمِه، وَهو إِذْ ذَاك يَسمعُ عَويلَ
العيالِ وصُراخَ الأطفَال.
عندَ ذلك نَادَى بِأعلَى صَوتِه:"هَل مِنْ
ذَابٍ عَن حُرمِ رَسُولِ الله، هَل مِن مُوحّدٍ
يَخافُ اللهَ فِينا؟ هَل مِن مُغيثٍ يَرجُو اللهَ
في إِغَاثَتِنا".
فارتَفعتْ أَصواتُ النّساء بِالبُكاءِ وَالعَويْل.
الوَداعُ الأَول
ولمَّا عَزمَ الحُسين علي السلام عَلَى مُلاقاةِ
الحُتُوف، جَاءَ وَوَقَفَ بِبَابِ خَيمةِ النّساء
مُودّعاً لحُرمه مُخَدَّراتِ الرِّسَالة وَعَقائِل
النُبوَّة، وَنَادَى:"يَا زَينب، ويَا أُمّ
كُلثوم، ويَا فَاطِمة، ويَا سُكينة، عَليكنّ مِنّي
السَّلام".
فَنَادته سُكينة:يَا أَبَه، أستسلمتَ للِموت؟
فَقَال:كيفَ لا يستسلمُ لِلموت مَن لا نَاصرَ لَه
ولا مُعين؟
فَقَالت:رُدَّنا إِلى حَرمِ جَدّنَا رَسُولِ الله.
فَبَكَى الحُسَينُ علي السلام بُكاءً شَدِيدَاً،
وَقال:هَيهَات!!لَو تُرك القَطا لَغَفَا وَنَام..
فَرفَعت سُكينةُ صَوتَها باِلبُكاءِ وَالنّحِيب،
فَضَمَّها الحُسَين علي السلام إِلى صَدرِه،
وَمَسَحَ دُمُوعَها بِكَمّه، وَكَانَ يُحبُّها
حُبّاً شَدِيدَاً، وَجَعَلَ يقولُ:
يا نفسُ من بعدِ الحسينِ هوني
لا
تُحرقِي قَلبِي بِدَمعِكِ حَسرَةً
فَإِذَا قُتِلتُ فَأَنتِ أَولَى
بِالَّذِي |
مِنكِ البُكاءُ إِذَا الحِمَامُ
دَهَانِي مَا دَامَ مِنّي الروحُ فِي
جُثمَانِي
َأتِينَه يَا خِيرةَ النسوانِ |
وّنَهَضَ عَليُّ بنُ الحُسَين زينُ العَابدين علي
السلام وَخَرَجَ يتوكَّأُ عَلَى عَصَاً وَيَجُرُّ
سَيفَه، إِذْ لا يَقدِرُ عَلَى حَملِهِ لأنَّه
كَانَ مَريضَاً لا يستطيعُ الحَرَكة.
فَصَاحَ الحُسَينُ علي السلام بأمِّ
كُلثوم:اِحبسيه يَا أُختَاه، لِئَلا تَبقَى الأرضُ
خَاليةً مِن نَسلِ آلِ مُحمَّدٍ صلى الله
عليه وآله وسلم.
فَقَالَ زينُ العَابدين:يَا عَمَّتَاهُ، ذرينِي
أُقَاتِل بَينَ يَدَي بنَ رَسُولِ الله.
فَأَخَذت أُمُّ كُلثوم تُمانِعُه، وتُنادِي
خَلفه:يا بُنيَّ ارجِع، حتَّى أَرجَعتهُ إِلى
فِراشِه.
*مختصر المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء,جمعية
المعارف الاسلامية الثقافية,الطبعة الاولى
ك1-2008/1429-ص45-46
|