المقالات
محطات من محرم الحرام
مسلم بن عقيل ثبات وشهادة
علي الأكبر(ع) تضحية ووفاء
العباس (ع) تضحية ووفاء
الطالب بدم المقتول بكربلاء
مصائب النسوة والأطفال
تاريخ النهضة الحسينية
في درب الشهادة
رجال حول الحسين
سفير الحسين
عاشوراء والإمام الخميني
مواقف خالدة
رحلة السبي
خصائص ومرتكزات
شهادة الإمام السجاد
محطات قدسية
مجالس ومأتم
معرض الصور
لوحات عاشورائية
مراقد وأماكن مقدسة
مخطوطات
المكتبة
المكتبة الصوتية
المكتبة المرئية
 


الليلة التاسعة

شِبلُ الزَكِيِّ المُجتَبَى بَدرُ الهُدَى
وَعَلى البَسَالَةِ قدْ تَعوَّدَ نَاشِئَاً
لم أَنسَهُ مُذْ أَشجَاهُ وِحدَةُ عَمِّهِ
طَلَبَ القِتَالَ مِن الحُسينِ وَقَلبُهُ
فَتَدَفًّقًت عَبَرَاتُ بَدرِ سَنَا الهُدَى
فَانصاعَ نَحوَ القومِ يَخطُبُ فِيهُمُ
وَيِكِرُّ فِيهِم قِائِلاً إن تُنكِرُوا...
فَأبَادَ شُجعَانَ الوَغَى وَسَقَاهُمُ
وَعليهِ أشقَى الخَلقِ شَدَّ مُقَنِّعَاً
وَدَعَا أَيَا عَمَّاهُ أدرِكنِي فَقَد
فَأتَاهُ غَوثُ المُستَغيثِ مُبَادِرَاً
وَأتَى بِهِ نَحوَ المُخَيَّمِ نَادِبَاً
ضلع احسين إعلى الجاسم محنَّه
شاله احسين وابدمه محنَّه
گعد ما بينهم والدمع فجّر

شَمسُ المَنَاقِبِ والعُلَا وَالسُؤدَدِ
أَسَدٌ لِغَيرِ البَأسِ لم يَتَعَوَّدِ
بَينَ الأَعَادِي مَا لَهُ مِن مُنجِدِ
مُتَوَقِّدٍ بِالحُزنِ أَيَّ تَوَقُّدِ
سِبطِ النَبِيِّ على شَقيقِ الفَرقَدِ
بِلِسانِ صَمْصَامٍ وَأسَمَرَ أَملَدِ
إسمِي فَإنِّي ابنُ الزَكِيِّ الأَمجَدِ
مُرَّ الطِعانِ بِكَأسٍ لِهَذمِهِ الصَدِي
في سَيفِهِ رَأسَاً لأكرمِ سَيِّدِ
أَوْرَى الظَمَا كَبِدِي وَبَانَ تَجلُّدِي
وَإذَا بِهِ بِالرِجْلِ يَفحَصُ وَاليَدِ
يَبكِي وَيَرثِيهِ بِقَلبٍ مُكمَدِ
يا عمي بموتتك زادت محنََّه
وحط جاسم يا ويلي بصف علي الأكبر
تشب ناره وعليه تراكم الهم


بعد شهادة عليّ الأكبر عليه السلام، تقدّم ابنُ عمّه القاسم بن الحسن عليه السلام، إلى عمّه الحسين عليه السلام، بعد أن سمع من عمّه استصراخه للقوم طالباً للنصرة والإعانة، فلم يكن من بدٍّ أن يلبّي دعوته، لا سيّما لمّا نظر القاسم عليه السلام إلى القِلّة في الناصر، بعد كثرة الشهداء.


نادى عمّه:السلام عليك يا عمّاه، ردّ الإمام:"وعليك السلام يا ابن أخي".

قال:عمّاه لقد ضاق صدري، وسئمت الحياة، فأْذن لي في القتال بين يديك، فأبى الحسين عليه السلام أن يأذن له، لأنّه بقيّة أخيه الحسن عليه السلام، بالإضافة إلى أمّه رملة، كان جُلُّ اهتمامها بعد استشهاد الإمام الحسن عليه السلام ولدَها القاسم، فلا زال يتوسّل القاسم بعمّه يقبّل يديه حتّى أذن له.

جاء به إلى الخيمة، عمّمه بعمامة أخيه الحسن عليه السلام، وقد أرخى نصفها على عارضيه وصدره، وقد ألبسه ثوباً على صورة الكفن، ثمّ نظر إليه نظرة رأفة ورحمة، فلم يملك عبرته حتّى أرخى عينيه بالدموع، حتّى اعتنقا وبكيا معاً بكاءً شديداً، ثمّ أقبل إلى أمّه فرحاً مسروراً منادياً:يا أمّاه إنّ عمّي قد أذن لي في الحرب والقتال.

هز الرمح وناداها

رايح أنا يا ولده

أوصيك يمّه وصيّه

شبان لو شفتيهم

يا والده إدعيلي

من غير ما تگليلي

تسمعين لفظ اجوابي

بالله ذكّري شبابي

فودعته أمّه وضمّته إلى صدره، وهي تقول: ولدي بلّغ سلامي إلى والدك الحسن عليه السلام، وقد تعلّقت به عمّاته وأخواته، ثمّ انحدر نحو الميدان ودموعُهُ جاريةٌ على خدّيه، وهو يرتجز ويقول

إنْ تُنكِرونِي فَأنَا نَجلُ الحَسَن

هَذا حُسينٌ كَالأسيرِ المُرتَهَن

سِبطِ النَبِيِّ المُصطَفَى وَالمُؤتَمَن

بَينَ أُنَاسٍ لا سُقُوا صَوْبَ المُزُن


وراح يقاتلهم ببأس شديد..

يقول حميد بن مسلم:بينما هو يقاتل، إذ انقطع شِسْعُ نعله (اليسرى)، توقّف وانحنى ليشدّها (غير مكترث بحتفه وكثرة عدوّه عليه)، فقال عمرو بن نفيل الأزديّ (لعنه الله)، والله لأشُدَّنَّ عليه ولأثكلنّ عمّه به، فما انصرف عنه حتّى ضرب رأس القاسم بالسيف ففلق هامته، وقع إلى الأرض منادياً، عمّاه أبا عبد الله أدركني، فأتاه الحسين عليه السلام مسرع، رآه مشقوق الرأس مخضّب بدمه، وهو يفحص برجليه، انحنى عليه باكياً..

بكه وناداه يا جاسم اشبيدي

هان الكم تخلوني اوحيدي

يا ريت السيف گبلك حز وريدي

واعلى اخيمّي يعمي الخيل تفتر

جلس عند رأسه، وقال:"بُعداً لقوم قتلوك، خصمهم يوم القيامة جدُّك وأبوك، ... عزّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا يعينك، أو يعينك فلا يغني عنك، هذا يوم والله كَثُرَ واترُه، وقلّ ناصرُه".ثمّ حمله وقد كان صدره على صدر عمّه الحسين عليه السلام، ورجلا القاسم تخطّان الأرض، لأنّ مقتله هدَّ ظهر عمّه الحسين عليه السلام، فلا يقوى على حمله إلّا مُنحَنيَ الظهر، حتّى جاء به إلى المخيّم فألقاه بجوار ولده عليّ الأكبر عليه السلام، والقتلى من أهل بيته، ثمّ جلس عندهم

جابه الخيمة اعياه

گعد ما بينهم يبچي

نوبه ايعاين اوليده

ونوبه ايعاين الجاسم

يا عمي اعلى الترب نايم

أو بدر السعد واهلاله

و حطه بصف علي الأكبر

او عـلـيهــــم گــام يتحــــسّر

او نار الحزن بيه تسعر

يكله والدمع ساجم

وانت زهرة اخيامي

وقد ألقى عليهما نظرة الوداع؛ لأنّه لم يأت إليهما بعد ذلك، ينظر إلى ولده وينادي:"واعليّاه"ونظرة ثانية إلى ابن أخيه وينادي:"واقاسماه".

جابه اومدده ما بين اخوته

بس ما سمعن النسوان صوته

وبكه عدهم يا ويلي وهم موته
إجت رملة تصيح الله أكبر

نعم لمّا رأته أمُّه مخضّباً بدمه، مشقوق الرأس، انكبّت عليه منادية

أنا ردتك ما ردت دنيا ولا مال

يا بني يا جاسم خابت اظنوني ولا مال

تحضرني لو وگع حملي ولا مال

عند الضيگ يا بني اگطعت بيه

نعم جعلت تنوح عليه وترثيه...

ربيتك بماي العين

وأتفكر لعد طولك

لبّالي أفرح ابعرسك

وانصب حوفك بيدي

ابدال العرس يوليدي

لَهفِي على وَجَنَاتِهِ

وَلَقَد بَِنَى يَومَ الطُفوفِ

حَنَّاؤهُ مِن دَمِ رَاسِهِ

يا بني واحسب اسنينك

وعيني شابحه العينك

وإحني بيمنتي ايمينك

وأعيّد وافرح ابعيدي

أشوفنك اعلى التربان

بِدِمِ الوَريدِ مُخَضَّبَاتِ

على المَنِيِّةِ لا الفَتَاةَ

وَالشمعُ أطرافُ القَناةِ


*مجالس السيرة الحسينية,نشر جمعية المعارف الاسلامية,الطبعة الرابعة,ت2,2009/1430-ص59