الحسينُ على وجهِ الثرَى
قالوا:ومكَثَ الحسينُ طَويلاً من النَّهارِ
مَطروحَاً عَلَى وَجهِ الأرضِِ وهوَ مغشيٌّ عليهِ،
ولو شَاؤا أنْ يقتلوهُ لفعلُوا، إلا أنَّ كلَّ
قبيلةٍ تتَّكِلُ على الأُخرى وتكرَهُ الإقدامَ.
فعندَها صاحَ شِمرٌ بالناسِِ:ويحكُمْ، مَا
وقوفُكُمْ؟!ومَا تنتظرونَ بالرجلِ؟!وقدْ أثخنَتْهُ
السهامُ والرماحُ، احملُوا عليهِ، اقتلوهُ،
ثكلتْكُم أمُّهاتُكُم.
فحَمَلُوا عليهِ مِنْ كلِّ جانبٍ:
فضّربَهُ لعينٌ على كفِّهِ اليُسرَى فقطعَها...
وضربَهُ آخرٌ على عاتقِهِ المقدَّسِ...
وطعنَهُ سنانُ بالرمحِ على تِرقُوَتِهِ فوقَعَ،
ثمَّ انتزعَ الرمحَ وطعنَهُ في بواني صدرِهِ، ثمَّ
رماهُ بسهمٍ وَقَعَ في نحرِهِ..
وطعنَهُ لعينٌ بالرمحِ في خاصِرَتِهِ..
وقصدَهُ آخرٌ يضربهُ بسيفِهِ..
ورماهُ الحصينُ بنُ تميمٍ في حلقِهِ..
فعندَ ذلكَ وقعَ مغشيّاً عليهِ..
َلَو أنَّ أَحمدَ قَد رآكَ عَلَى الثَّرَى
أَو بِالطفوفِ رَأَتْ ظَمَاكَ سقَتكَ مِن
|
َفرشنَ مِنه لِجسمِكَ الأحشاءُ
ماءِ المَدَامعِ أُمُكَ الزّهراءُ |
يقولُ هلالُ بنُ نافعٍ:كنتُ واقفاً نحوَ الحسينِ
وهوَ يجودُ بنفسِهِ، فواللهِ ما رأيتُ قتيلاً قطُّ
مضمَّخاً بدمِهِ أحسنَ وجهاً ولا أنورَ! ولقدْ
شَغلَنِي نورُ وجهِهِ عن الفِكرةِ في قتلِهِ..
ولمّا اشتدَّ بهِ الحالُ رفعَ طرفَهُ إلى السماءِ
وقالَ:"اللهُمَّ أنت متعالي المكانِ، عظيمُ
الجبروتِ، شديدُ المِحالِ، غنيٌّ عَنِ الخلائقِ،
عريضُ الكِبْرياءِ، قادرٌ علَى مَا تشاءُ، قريبُ
الرحمةِ، صادقُ الوعدِ، سابغُ النّعمةِ، حَسَنُ
البلاءِ، قريبٌ إذا دُعِيتَ، مُحيطٌ بما خَلَقْتَ،
قابِلُ التوبةِ لمن تابَ إليك، قادرٌ على ما
أردتَ، تُدرِكُ ما طَلَبتَ، شكورٌ إذا شُكِرتَ،
ذكورٌ إذا ذُكِرتَ، أدعوكَ مُحتَاجاً وأرغبُ إليك
فَقيراً، وأفزَعُ إليك خائِفاً، وأبكي مَكروباً،
وأستعينُ بك ضعيفاً، وأتوكّل عليك كافياً.اللهُمَّ
احكُمْ بَينَنَا وبينَ قومِنَا، فإنَّهم غرُّونَا
وخَذَلُونَا، وغدَرُوا بِنَا وقتلونا، ونحنُ
عِترةُ نبيِّكَ، ووُلدِ حبيبِكَ محمّدٍ الذي
اصطفيتَه بالرسالةِ، وائتمنتَهُ على الوحيِ،
فاجعَل لنَا من أمرِنا فرَجاً ومخرجاً يا أَرحم
الراحمينَ".
"صَبراً على قضائِك يا ربِّ، لا إلهَ سِواكَ يا
غياثَ المُستَغيثينَ، ما لي ربُّ سِواكَ ولا
معبودٌ غيرُك، صبراً على حُكمِك، يا غِياثَ من لا
غِيَاثَ له، يا دائماً لا نَفَادَ له، يا مُحييَ
المَوتى، يا قائِماً على كلِ نَفسٍ بما كَسبَت،
أُحكُم بَيني وبيَنهم وأنتَ خيرُ الحاكِمين".
*المجلس الحسيني يوم العاشر من المحرم,جمعية
المعارف الاسلامية الثقافية,الطبعة الاولى
ك1-2008/1429-ص27
|