مجلس سيّد الشّهداء الإمام الحسين عليه السلام
مَا هَاجَنِي ذِكْرُ ذَاتِ البَانِ وِالعَلَمِ
لَكِنْ تَذَكَّرْتُ مَوْلَايَ الحُسينَ وَقَدْ
وَرَاحَ ثمَّ جَـوَادُ السِـبْطِ يَنْدُبُهُ
فَمُذْ رَأَتْهُ النِسَاءُ الطَاهِرَاتُ بَدَا
فَبَـرَزْنَ نَادِبَـةً حَسْرَى وثَاكِلَةً
فَجِئْنَ والسِبْطُ مُلْقَىً بِالنِّصَالِ أَبَتْ
والشِّمْرُ يَنْحَرُ مِنْهُ النَّحْرَ مِنْ حَنَقٍ
فَتَـسْتُرَ الوَجْـهَ في كِمٍّ عَقِيلَتُهُ
تَدْعُو أَخَاها الغريبَ المُسْتَظَامَ أَخِي
أَخِي لَقْدَ كُنتَ غَوثاً للأرَامِلَ يا
وَتَستَغِيثُ رَسولَ اللهِ صَارِخَةً:
يَا جَدُّ لَوْ نَظَرَتْ عَيَنَاكَ مِن حَزَنٍ
مُشَرَّدِينَ عَنِ الأَوْطَانِ قَدْ قُهرُوا
يُسْرَى بِهنَّ سَبَايَا بَعْـد عِـزِّهِمُ
وَلَا السَلامُ عَلَى سَلْمَى بِذِي سَلَمِ
أَضْحَى بِكَرب ِالبِلا في كَرْبَلاء ظَمِي ْ
عَالِيْ الصَهِيلِ خليَاً طَالِبَ الخِيَمِ
يُكَـادِمُ الأَرضَ في خَدٍّ لَـهُ وَفَمِ
عَبْرَى وَمَعْلُولَةً بالمدَمْعِ السَجِمِ
مِنْ كَفِّ مُسْتَلِمٍ أَوْ ثَغْرِ مُلْتَثِمِ
والأرضُ تَرْجُفُ خَوْفاً مِنْ فِعَالِهِمِ
وَتَنْحَـنِي فَوْقَ قَلْبِ والـهٍ كَلِمِ
يَا لَيْتَ طَرفُ المنايَا عَنْ عُلاك َعَمِي
غَوْثَ اليَتَامَى وبَحْرَ الجُودِ والكَرَمِ
يَا جَدُّ أينَ الوَصَايَا في ذَوي الرَحِمِ؟
لِلعِتـْرَة الغُرِّ بَعْـدَ الصونِ والحَشَمِ
ثَكْلَى أُسَارَى حَيَارَى ضُرِّجُوا بِدَمِ
فَوْقَ المَطَايَا كَسَـبْيِ الرُوْمِ والخَدَمِ1
نعي:
اشلون امـشي او يظل احسين معفور
تعاين جـثتـه والـدمـع دفـاق
بعد هيهات اشوفن عقبك اسرور
او خلّينـه عزيز الـروح بالدار
اويمّ العلگمي عباس معـفور
يمن دوم نخوتك تـرفع الـراس
وانته اللي اليوم الضيق مذخور
اعـذريني تـره غـصبن عليه
عتبتي او من يلومـك من تعتبين
بقت زينب تصيح ابـقلب مفطـور
خذوها للركب والقلب خفـاق
يخويه اوداعة الـله هـذا الفـراق
مشينه امودع الله والظعن سـار
او كل شبانه نومه والأنصار
حده حادي الظعن وينك يعبـاس
چي ترضه خواتـك ترفق ارجـاس
ناداها يبت راعي الحمـيـه
اشبيدي يا عزيـزه اعله المنـيـه
أبوذيّه:
اخـبرهم بالجره اعلينه وساده
ثلث تيّام مرمـي اعلى الوطيّه ينـاعـي لـو شفـت
شيعه وسـاده
احسين الرّمـل صاير له وسـاده
عن هرثمة بن أبي مُسلم، قال: غزونا مع عليّ بن أبي
طالب عليه السلام، صفّين، فلمّا انصرفنا نزل
كربلاء، فصلّى بها الغداة، ثمّ رفع إليه من
تربتها، فشمّها، ثمّ قال: واهاً لك أيّتها
التّربة, ليحشرنَّ منك أقوام، يدخلون الجنّة بغير
حساب.
فرجع هرثمة إلى زوجته، وكانت شيعة لعليّ عليه
السلام، فقال: ألا أُحدّثك عن وليّك أبي الحسن
عليه السلام؟! نزل كربلاء فصلّى، ثمّ رفع إليه من
تربتها، فقال: واهاً لكِ أيّتها التّربة ليحشرنَّ
منك أقوام، يدخلون الجنّة بغير حساب؟ فقالت: أيّها
الرَّجل، فإنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يقل
إلّا حقّاً.
فلمّا قدم الحسين عليه السلام قال هرثمة: كنت في
البعث، الّذين بعثهم إليه عبيد الله بن زياد لعنه
الله، فلمّا رأيت المنزل والشجر، ذكرت الحديث،
فجلست على بعيري، ثمّ صرت إلى الحسين عليه السلام،
فسلّمت عليه، وأخبرته بما سمعت من أبيه عليه
السلام في ذلك المنزل، الَّذي نزل به الحسين عليه
السلام, فقال: معنا أنت أم علينا؟
فقلت: لا معك ولا عليك، خلّفتُ صِبْيَةً، أخافُ
عليهم عبيد الله بن زياد، قال عليه السلام: فامض
حيث لا ترى لنا مقتلاً، ولا تسمع لنا صوتاً،
فوالّذي نفس
حسين بيده، لا يسمع اليوم واعيتنا أحد، فلا يعيننا
إلّا كبّه الله لوجهه في نار جهنّم2.
قال في كامل الزّيارات: روي عن الباقر عليه
السلام، قال: مرّ عليّ عليه السلام بكربلاء في
اثنين من أصحابه، فلمّا مرَّ بها، ترقرقت عيناه
للبكاء، ثمّ قال: هذا- والله- مناخ ركابهم، هذا
ملقى رحالهم، وها هنا تهراق دماؤهم، طوبى لك من
تربة، عليكِ تهراق دماء الأحبّة.
عن ابن عبّاس، قال: كنت مع أمير المؤمنين عليه
السلام عند خروجه إلى صفّين، فلمّا نزل نينوى، وهو
بشطِّ الفرات، قال بأعلى صوته: يا ابن عبّاس،
أتعرف هذا الموضع؟ قلت له: ما أعرفه يا أمير
المؤمنين، قال عليّ عليه السلام: لو عرفته
كمعرفتي، لم تكن تجوزه حتّى تبكي كبكائي.
قال: فبكى عليه السلام طويلاً حتّى اخضلّت لحيته،
وسالت الدّموع على صدره، وبكينا معه، وهو يقول:
أوه أوه، مالي ولآل أبي سفيان، مالي ولآل حرب، حزب
الشّيطان وأولياء الكفر؟! صبراً، يا أبا عبد الله،
فقد لقي أبوك مثل الّذي تلقى منهم.
المصيبة:
أقول: يا أمير المؤمنين، ليتك تنظر إلى ولدك
الحسين، كيف اجتمع عليه الأعداء من كلّ جانب؟
حيث وقف الحسين عليه السلام ليستريح من القتال،
رماه أبو الحتوف بحجر وقع في جبهته، سالت الدّماء
على وجهه، رفع الثّوب ليمسح الدّم عن وجهه، بان
صدره الشّريف، فرماه حرملة بسهم محدّد مسموم، وقع
على- ناحية - قلبه، كلّما أراد أن يستخرجه من صدره
لم يتمكّن، انحنى على قربوس سرج فرسه، قال: بسم
الله وبالله، وعلى ملّة رسول الله، ثمّ استخرج
السّهم من قفاه، فانبعث الدّم كالميزاب من صدر
الحسين، وضع كفّيه تحت الجرح، حتّى إذا امتلأتا
دماً، خضّب به عمامته ورأسه ووجهه، وقال: هكذا
ألقى الله وجدّي رسول الله، وأنا مخضّب بدمي.
ويلي..
شال احسين ثوبه يمسح الدّم ولن سهـم المحدّد
نـاجـع ابسـم
بگلـبـه وگـع لا وخّر وجـدّم هوى واظـلم هواهـا
والسـّما احمر
انهارتْ قواه من ذلك السّهم، مال من على ظهر فرسه,
فهوى إلى الأرض، صنع له وسادة من التّراب، وضع
خدّه عليها، وأقبل الفرس يحوم حوله، فكأنّه يريد
منه أن يقوم،
فلمّا آيس الفرس من قيام الحسين، لطّخ وجهه
وناصيته بدم أبي عبد الله، وأقبل نحو المخيّم يصهل
صهيلاً عالياً، فلمّا سمعت زينب صهيل الفرس،
التفتت إلى سُكينة، قالتْ: عمّه، هذا أبوك الحسين
قد أقبل, قومي لاستقباله، قامت سُكينةُ إلى باب
الخيمة، وإذا بالجواد خالٍ من الحسين، لطمت سُكينة
وجهها، وصاحت: عمّه، لقد قُتِل والله أبي الحسين.
آه..
وّأّقْبَلَ يَنـْحُو المُحْصَـناتِ حِصـَانُهُ
يَحِنُّ ومِنْ عُظْمِ المُصِيبَةِ يُعْوِلُ
فَأَقْبَلْنَ رَبَّاتُ الحِجـالِ ولِلْأَسـَى
تَفاصِيلُ لا يُحْصِي لَهُنَّ مُفَصِّلُ
فَواحِدَةٌ تَحْنُو عَلَيْـهِ تَضمـهُ وأُخـْرَى
عَلَيْهِ بِالـرِّداءِ تُظَـلِّلُ
يقول إمامُنا الصّادق عليه السلام: ازدلف إلى
جدِّي الحسين عليه السلام ثلاثون ألفاً، كلٌ
يتقرّب إلى الله بدم الحسين، ولذا لمّا طلب منهم
الحسين جرعة من الماء، قالوا له: يا حسين، لن تذوق
الماء حتّى ترد الحـامية، فتشرب من حميمـها،
فقال عليه السلام: أنا أرد الحامية؟! لا والله، بل
أرد على جدِّي رسول الله، وأسكن معه، وأشرب من
حوضه، وأشكو إليه ما ارتكبتم منّي؛ فغضب القوم
عليه بأجمعهم، حتّى كأنّ الله لم يجعل في قلب
أحدهم من الرّحمة شيئاً، فأحاطوا به ضرباً
بالسّيوف، وطعناً بالرِّماح، ورمياً بالسّهام،
ورشقاً بالحجارة..
ويلي..
ناسٍ بالرّماح وناس بالسّيف دار العسكر اعله احسين
يا حيف
نوبه بـالضّلـوع اونـوب بيـده تلگه انبالـها احسين
ابوريده
جاءه مالك بن النّسر، وقف أمام الحسين، شتمه, ثمّ
ضربه بالسّيف على أُمِّ رأسه، وكان على رأس الحسين
برنس، فامتلأ البرنس دماً، فقال له الحسين: لا
أكلت بيمينك ولا شربت بها، وحشرك الله مع
الظّالمين.
يا نـاس درب المـشرعه امنين عطشـان اخـييّ يـا
مسلمين
أنا ابعيني لجيب الماي لحسين
هذا وقد ماجت النّساء في المخيم، حيث لم يعدن
يسمعن للحسين عليه السلام صوتاً، ولا يرين له
شخصاً, قال الرّاوي: فأقبلت زينب عليها السلام إلى
خيمة العليل زين العابدين... عمّه، لا أرى لأبيك
شخصاً، ولا أسمع له صوتاً, فقال: عمّه زينب, إلى
صدرك سنّديني, عمّه، اكشفي لي طرف الخيمة, فلمّا
سنّدته، وقام عليه السلام نظر إلى الآفاق، وقد
تغيّرت وأظلمت, صاح: عمّه استعدّي للسّبا... قالت:
لم يا بن أخي؟ قال: عمّه ذاك رأس والدي على رأس
الرّمح!!
نادت زينب: واحسيناه، وا أخاه..
رَأَتِ الـرُّمـْحَ زَيـَنـْبٌ حِـينَ مَـالا
وَعلَيْهِ رَأْسُ الحُسَيْنِ تَلالَا
خَاطَبَتْهُ مُذْ بانَ يَزْهُو هِـلاَلا يا
هِلالاً لمَّا اسْتَتَمَّ كَمالا
غَالَهُ خَسْفُهُ فَأَبْدَى غُرُوبا
1- القصيدة
للشيخ صالح البرسي
2- أماليّ الصدوق 117، بحار الأنوار 44: 255 ـ
256، تاريخ ابن عساكر 13: 77.
|