شهادة
العباس عليه السلام
ولمْ
يَستطعِ العبَّاسُ عليه
السلام صَبراً على البقاءِ،
بعدَ مَقتلِ إخوتِه
وعُمومِ أهلِ بيتِ الحسينِ
عليه السلام وأصحابِهِ،
فجاءَ إلى أخيهِ الحسينِ
عليه السلام، يستأذِنُهُ
في القتالِ، ويَطْلُبُ
الرُّخصةَ منه، فما كانَ
جوابُ الحسينِ عليه
السلام إلَّا أنْ قالَ: "يا
أَخِي، أنتَ صاحبُ لِوائي،
وإذا مضَيتَ تفرَّقَ
عَسْكرِي".
فقالَ العبَّاس عليه
السلام: يا أخي قدْ ضاقَ
صَدري.. وأريدُ أنْ آخُذَ
ثأري منْ هؤلاء المنافقينَ.
فقالَ الحسينُ عليه
السلام:
"إذاً، فاطلُبْ
لهؤلاءِ الأطفالِ قليلاً
منَ الماءِ".
فذَهَبَ العبَّاس عليه
السلام إلى القَومِ،
ووَعَظَهم، وحذَّرَهم
غَضَبَ الجبَّارِ وطلَب
منهم شيئاً منَ الماءِ
للأطفالِ.
فأَجابَهُ الشمرُ اللعينُ
قائلاً: يابنَ أبي تُرابٍ،
لو كانَ وَجهُ الأرضِ
كُلُّهُ ماءً، وهو تَحتَ
أيدينا، لمَا سَقَيناكم
منهُ قَطرةً، إلَّا أنْ
تدخُلوا في بَيعةِ يزيدَ.
فرَجَعَ العبَّاس إلى
أخيهِ عليه السلام
وأخبَرَه بمَقالةِ القومِ،
فسَمِعَ الأطفالَ ومعَهم
سُكينةُ بنتُ الحسينِ
عليه السلام ينادُونَ:
العطشَ العطشَ.
فلمْ
يتحمَّلْ ذلكَ فرَكِبَ
جوادَه، وأخذَ سيفَهُ
والقِربةَ، وقَصدَ
الفُراتَ، فأحاطَ
بالعبَّاس الموكَلُونَ
بالفراتِ، ورَمَوْهُ
بالنّبالِ، فلَمْ يَعْبَأْ
بجَمعِهِم ولا رَاعَتْهُ
كَثرَتُهُم، فكَشَفَهم عن
وجههِ وقتلَ عدداً منهم،
ودخلَ الفراتَ مطمَئِنّاً.
ثمَّ اغترفَ منَ الماءِ
غَرفةً، وأدناها منْ فَمهِ
ليشرب، فتذكَّرَ عَطشَ
أخيهِ الحسينِ عليه
السلام وعِيالهِ وأطفالهِ،
فرمَى الماءَ منْ يَدهِ
وقالَ:
يا نَفْسُ من بعدِ الحسينِ
هُوني
وبعدَهُ لاَ كُنْتِ
أنْ تَكوني
هذا حسينٌ واردُ المَنونِ
وتَشْربينَ بارِدَ
المَعينِ
تاللهِ ما هذا فِعالُ
دِيني
ولا فِعَالُ
صَادِقِ اليقينِ
شلون اشرب وخوي حسين
عطشان
وسكنة والحرم
واطفال رضعان
وظن گلب العليل التهب
نيران
يريت الماي بعده
لا حله اومر
ثمَّ مَلأَ القِربةَ،
ورَكِبَ جوادَه وتوجَّهَ
نحوَ المُخَيَّمِ مسرعاً،
فقطعَ الأعداءُ عليهِ
الطريقَ، فجعلَ يصولُ في
أوْساطِهم، ويضرِبُ فيهِمْ
بسيفِهِ حتَّى أَكثرَ
القتلَ فيهِم وكَشَفَهم
عنِ الطريقِ وهُوَ يقولُ:
لا أرهبُ الموتَ إذا
المـوتُ زَقَا
حتَّى أُوارى في
المَصاليتِ لِقَى
نفسي لِسِبطِ المُصْطَفى
الطُّهرِ وِقا
إنّي أنا العبَّاس
أغْدُو بالسِقَا
ولا أخافُ الشرَّ
يومَ المُلتقى
فكَمَنَ له لعينٌ من وراء
نخلةٍ، وعاوَنهُ آخرُ،
فضرَبهُ على يمينهِ
بالسيفِ فبَرَاها.
فقالَ عليه السلام:
واللهِ إن قَطعتُمُ
يمينــــي
إنّي أُحامِي
أَبَداً عن دِيني
وعنْ إمامٍ صَادِقِ
اليَقِينِ
نَجْلِ النّبيِّ
الطــاهِرِ الأَمينِ
وحَمَلَ على القومِ
كالأسدِ الغضبانِ، فكمَنَ
له حكيمُ بنَ الطُّفَيْلِ
منْ وراءِ نخلةٍ أخرى
وضربَهُ على شِمالهِ،
فقطَعَها من الزَّندِ،
فقالَ عليه السلام:
يا نفسُ لا تَخشَيْ منَ
الكُفّارِ
وأبشـِري برحــمةِ
الجبّارِ
معَ النّبيِّ المصْطَـفى
المخْــتارِ
قدْ قَطَعُوا
بِبَغْيِهم يَساري
فأَصْلِهِم يا ربِّ
حَرَّ النّارِ
وجَعَلَ يُسرِعُ ليوصِلَ
الماءَ إلى المخيمِ،
فلمّا نظرَ ابنُ سعدٍ إلى
شِدّةِ اهتمامِ العبَّاس
عليه السلام بالقِربةِ،
صاحَ بالقومِ: ويلَكُم،
ارْشُقوا القِربةَ بالنبلِ،
فواللهِ إنْ شَرِبَ
الحسينُ منْ هذا الماءِ
أفناكُم عن آخرِكُم.
فأتتهُ السهامُ كالمطرِ
وأصابتْهُ في صَدرهِ،
وسهمٌ أصابَ إحدى عينيهِ
فأطفأَها، وجَمَدَ الدمُ
على عينهِ الأخرى فلم
يُبْصِرْ
بها،
وأصابَ القِرْبةَ سهمٌ
فأُريقَ ماؤُها. وضَرَبهُ
لَعينٌ بالعمودِ على رأسهِ
فَفَلَقَ هَامتَهُ وسقطَ
على الأرضِ منادياً:
"عليكَ
منّي السلامُ أبا عبدِ
اللهِ".
عَظّمَ اللهُ لكَ الأجْرَ
سيّدي أبا عبدِ اللهِ!..
الفارسُ عندَما يقعُ إلى
الأرضِ يتلقّى الأرضَ
بيدَيهِ، لكنْ إذا كانتْ
يداهُ مقطوعتَينِ،
والسهامُ في صدرهِ، فبأيِّ
حَالٍ يَقعُ إلى الأرضِ!!.
فأتاهُ الحسينُ عليه
السلام مُسرعاً، ففرَّقَ
القومَ عنه، وقتلَ منهم
رجالاً وجَندلَ فُرساناً،
حتَّى إذا وصلَ إليهِ رآهُ
مقطوعَ اليَدينِ، مَفْضوخَ
الهامةِ، مُطفأَ العينِ،
مُثخناً بالجراحِ، فأخذَ
رأسَه الشريفَ ووَضَعَهُ
في حِجْرِه، وجعلَ
يَمْسَحُ الدمَ والترابَ
عنهُ، وقالَ بَاكياً: "الآنَ
انكسَرَ ظَهري، وقلَّتْ
حِيلَتي، وَشمِتَ بي
عَدُوِّي".
يخويه انكسر ظهري ولا
اگدر اگوم
صرت مركز يخويه
الكل الهموم
يخويه استـوحــدوني بعدك
القــوم
ولا واحـــد
عليّــه بـعـــد ينـغـــر
ثمَّ انْحَنَى عليهِ
واعتَنَقَه وجعلَ يُقبِّلُ
مَواضعَ السيوفِ من وَجههِ
ونَحرهِ وصَدرهِ، ثمَّ
فاضَتْ نَفْسُ العبَّاس
المقدَّسةُ ورأسُهُ في
حِجْرِ أخيهِ الحسينِ
عليه السلام..
وتَركَ
الحسينُ عليهِ السلامُ
أخاهُ العبَّاس في مَكانهِ،
وقامَ عنه، ولمْ يحمِلْهُ
إلى الفُسطاطِ الذي كانَ
يحمِلُ القَتلَى من أهلِ
بيتهِ وأصحابِهِ إليهِ.
يخويه حسين خليني ابمكاني
يگــله ليــش يا
زهــرة زماني
يگله واعـدت سكــنة
ترانــي
بماي واستحي منها
من اسدر
ورَجَعَ إلى المخيّمِ..
فأَتتْهُ سُكَينةُ
وسألَتْه عنْ عمِّها،
فأخبرَها بمَقتلِهِ،
وسمِعَتْهُ زينبُ
عليها
السلام فصاحَتْ:
واأخاه واعبَّاساه
واضَعَيتنا بعدَك..
* المصيبة
الراتبة. نشر جمعية
المعارف الاسلامية
الثقافية. الطبعة
التاسعة.
|