بدء المعركة في
العاشر من محرم
فلمّا أصبح الصباح من يوم عاشوراء نادى الحسين أصحابه وامرهم بالصلاة، فتيمّموا
بدلاً عن الوضوء وصلّى بأصحابه صلاة الصبح ثم قال: اللهم أنت ثقتي في كلّ كربٍ وأنت
رجائي في كل شدّة، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة، كم من كربٍ يضعف فيه
الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك
رغبة مني إليك عمّن سواك، ففرّجته عنّي، وكشفته، فأنت وليّ كلّ نعمة؛ وصاحب كل حسنة
ومنتهى كل رغبة.
ثم نظر إلى أصحابه وقال: إن الله قد أذن في قتلكم وقتلي؛ وكلّكم تقتلون في هذا
اليوم إلا ولدي علي بن الحسين أي زين العابدين فاتقوا الله واصبروا.
واصبح عمر بن سعد في ذلك اليوم وخرج بالناس، وجمع على ميمنة العسكر عمرو بن الحجاج
الزبيدي؛ وعلى المسيرة شمر بن ذي الجوشن، وعلى الخيل عروة بن قيس، وعلى الرجّالة
شبث بن ربعي، وأعطى الراية دُريداً غلامه.
ودعى الحسين بفرس رسول الله صلّى الله عليه وآله المترجزْ، وعبّأ أصحابه، وكان معه
اثنان وثلاثون فارساً، وأربعون راجلاً، وقيل: أكثر من ذلك، فجعل زهير بن القين في
ميمنة أصحابه، وحبيب بن مظاهر في المسيرة، وأعطى رايته أخاه العباس، وجعلوا البيوت
والخيم في ظهورهم؛ وأمر بحطب وقصب أن يترك في خندق عملوه في ساعة من الليل، وأشعلوا
فيه النار مخافة أن يأتيهم العدو من ورائهم، وجعلوا جبهة القتال جهةً واحدة، فغضب
الأعداء بأجمعهم، فنادى شمر بأعلى صوته: يا حسين أتعجّلت النار قبل يوم القيامة؟
فقال الحسين: من هذا، كأنه شمر؟
فقالوا: نعم.
فقال: يابن راعية المعزى أنت أولى بها صليّا. وأراد مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم
فمنعه الحسين، وقال: أكره أن أبدأهم بالقتال.
ثم تقدّم الحسين نحو القوم في نفر من أصحابه وبين يديه برير بن خضير الهمداني، فقال
له الحسين: كلّم القوم. فتقدّم برير وقال: يا قوم اتقوا الله فإن ثِقل محمد صلّى
الله عليه وآله قد أصبح بين أظهركم، هؤلاء ذريته وعترته وبناته وحرمهن فهاتوا ما
عندكم وما الذي تريدون أن تصنعوه؟
فقالوا: نريد أن نمكّن منهم الأمير عبيد الله بن زياد فيرى رأيه فيهم.
فقال برير: أفلا تقبلون منهم أن يرجعوا إلى المكان الذي جاؤوا منه؟ ويلكم يا اهل
الكوفة أنسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها وأشهدتم الله عليها؟! ويلكم أدعوتم أهل
بيت نبيّكم وحلأتموهم عن ماء الفرات؟! بئس ما خلّفتم نبيكم في عترته، مالكم لا
سقاكم الله يوم القيامة، فبئس القوم أنتم.
فقال نفر منهم: ما ندري ما تقول.
فقال برير: الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة، اللهم إني أبرءُ إليك من فعال القوم،
اللهم ألق بأسهم بينهم حتى يلقوك وأنت عليهم غضبان .
* فاجعة
الطف / محمد كاظم القزويني .
|