المقالات
محطات من محرم الحرام
مسلم بن عقيل ثبات وشهادة
علي الأكبر(ع) تضحية ووفاء
العباس (ع) تضحية ووفاء
الطالب بدم المقتول بكربلاء
مصائب النسوة والأطفال
تاريخ النهضة الحسينية
في درب الشهادة
رجال حول الحسين
سفير الحسين
عاشوراء والإمام الخميني
مواقف خالدة
رحلة السبي
خصائص ومرتكزات
شهادة الإمام السجاد
محطات قدسية
مجالس ومأتم
معرض الصور
لوحات عاشورائية
مراقد وأماكن مقدسة
مخطوطات
المكتبة
المكتبة الصوتية
المكتبة المرئية
 
 

 

 الشهادة

وهكذا بقي الإمام زين العابدين مهموماً حزيناً، باكي العين،حتّى دسّ إليه الوليد بن عبد الملك السمّ،وقيل:هشام بن عبد الملك 1،دسّ إليه سمّاً في أشياء أعدّها له، فأكلها سلام الله عليه.فلمّا سرى السمّ في بدنه الشريف، وتيقّن حلول أمر الله تعالى به، وانقطاع أجله، أقبل على ولده، وخليفة الله من بعده، أبي جعفر الباقر عليه السلام ، وقال له:"يا بنيّ،إنّ الوقت الذي وعدته قد قرب، فأوصيك يا بنيّ في نفسك خيراً، واصبر على الحقّ وإن كان مرّ،فإنّه لتحدّثني نفسي بسرعة الموت لقوله تعالى": ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ2.

"يا بنيّ،إذا أنا متّ فغسّلني، فإنّ الإمام لا يغسّله إلّا إمام مثله...واعلم يا بنيّ، إنّي مفارقك عن قريب،فإنّ الموت قد قرب، وقد بلغ الوليد منّي مراده".
 

تدَاعَتْ لَهُ أَرْكانهُ والجَوانِبُ

وَيا لَنَحِيلٍ أَنْحَلَتْهُ المصَائِبُ

عَلَيْهِ المعَالِي فَهْيَ ثَكْلَى نَوادِبُ

فَيا لإمامٍ مُحْكَمُ الذِّكْرِ بَعْدَهُ

وَيا لَسَقِيمٍ شَفَّهُ السُّقْمُ والبُكا

ويا لَفَقِيدٍ قَدْ أَقامَتْ مَآتِماً


قال الإمام الباقر عليه السلام :"فضمّني إلى صدره، ثمّ قال: يا بنيّ،أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة"،وذكر عليه السلام أنّ من جملة ما أوصاه به أبوه أن قال:"يا بنيّ،إيّاك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلّا الله،ثمّ أغمي عليه ثلاثاً".

"ثمّ فتح عينيه وقرأ:﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَة ،و ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ،وقال:الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنّة حيث نشاء، فنعم أجر العاملين.

"ثمّ أشرق وجهه نوراً، ونادى:يا أبا جعفر، عجّل،ففاضت نفسه الشريفة،فلطم الباقر عليه السلام رأسه، ورفع صوته بالبكاء، وضجّ أهله وعياله وأهل المدينة ضجّة واحدة...وقام الصراخ، وعلا النحيب من كلّ جانب ومكان...وخرجت المخدّرات من خدورها.."
 

بعد ما صد لبو جعفر بعينه

حنوا وبالدموع هملت العين

حن محمّد وهاجت همومه

فارق طود عز وعلم للدين

خلف بقلب حشاي عله

والباقر ينوح ويقله

وتمسي أهل بيتك بذله
 

طول الليل ما بطل ونينه

يا بوي مودعين الله قضينا

ويلي من قضى السجاد يومه

يحق له بكى ومنهو ليلومه

قلبي على أبو باقر تسلى

وارتج عليه الكون كله

خلافك تصيب الدين خله


ثمّ أخذ الباقر عليه السلام في تغسيله، كما أمره، وأدرجه في أكفانه، ووضعه على سريره،فحمل على الأعناق، حتّى أتي به البقيع، ودفن هناك بجوار عمّه الإمام الحسن عليه السلام3 .

وعن جابر الجعفيّ، قال:لمّا جرّد مولاي محمّد الباقر مولاي عليّ بن الحسين ثيابه، ووضعه على المغتسل، وكان قد ضرب دونه حجاباً، سمعته ينشج ويبكي، حتّى أطال ذلك، فأمهلته عن السؤال، حتّى إذا فرغ من غسله ودفنه، فأتيت إليه، وسلّمت عليه،وقلت له:جعلت فداك،ممّ كان بكاؤك، وأنت تغسّل أباك؟ أكان ذلك حزناً عليه؟ قال: "لا يا جابر،لكن لمّا جرّدت أبي ثيابه،ووضعته على المغتسل، رأيت آثار الجامعة في عنقه،وآثار جرح القيد في ساقيه وفخذيه،فأخذتني الرقّة لذلك، وبكيت".
 

وشاف الجامعه مأثره بجيده

قعد يبكي وعلى حاله يتحسر

أَوَ مَا سَمِعْتَ بِمِحْنَةِ السَّجَّادِ4

قام وغسله الباقر بإيده

وشاف الساق بيه شعمل قيده

مَالِي أَراكَ وَدَمْعُ عَيْنِكَ جَامِدٌ


في زيارته عليه السلام
عن بكر بن صالح، عن عمرو بن هشام، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما، قال: "إذا أتيت قبور الأئمّة بالبقيع، فقف عندهم، واجعل القبلة خلفك، والقبر بين يديك، ثمّ تقول": "السلام عليكم أئمّة الهدى، السلام عليكم أهل البرّ والتقوى، السلام عليكم أيّها الحجج على أهل الدنيا، السلام عليكم أيّها القوّامون في البرية بالقسط. السلام عليكم أهل الصفوة، السلام عليكم يا آل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، السلام عليكم أهل النجوى".

أشهد أنّكم قد بلّغتم ونصحتم وصبرتم في ذات الله، وكُذِّبتم وأُسيء إليكم فغفرتم، وأشهد أنّكم الأئمّة الراشدون المهديّون، وأنّ طاعتكم مفروضة، وأنّ قولكم الصدق، وأنّكم دعوتم فلم تُجابوا، وأمرتم فلم تُطاعوا، وأنّكم دعائم الدين، وأركان الأرض.

لم تزالوا بعين الله ينسخكم في أصلاب كلّ مطهّر، وينقلكم من أرحام المطهّرات، لم تدنّسكم الجاهليّة الجهلاء، ولم تُشرِك فيكم فتنُ الأهواء، طبتم وطاب منبتكم.
منَّ بكم علينا ديّان الدين، فجعلكم في بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وجعل صلواتنا عليكم، رحمة لنا، وكفّارة لذنوبنا، إذ اختاركم الله لنا، وطيَّب خلقنا بما منَّ به علينا من ولايتكم، وكنّا عنده مُسَمّينَ بعلمكم، معترفين بتصديقنا إيّاكم.

وهذا مقام من أسرف وأخطأ، واستكان وأقرّ بما جنى، ورجا بمقامه الخلاص، وأن يستنقذ بكم مستنقذ الهلكى من الردى، فكونوا لي شفعاء، فقد وفدت إليكم، إذ رغب عنكم أهل الدنيا، واتخذوا آيات الله هزواً، واستكبروا عنها.

"يا من هو قائم لا يسهو، ودائم لا يلهو، ومحيط بكلّ شيء ، لك المنّ بما وفّقتني، وعرّفتني أئمّتي، وبما أقمتني عليه، إذ صدَّ عنه عبادك، وجهلوا معرفته، واستخفُّوا بحقّه، ومالوا إلى سواه، فكانت المِنَّةُ منك عليَّ، مع أقوام خصصتهم بما خصصتني به. فلك الحمد، إذ كنت عندك في مقامي هذا مذكوراً مكتوباً، فلا تحرمني ما رجوت، ولا تخيّبني فيما دعوت في مقامي هذا، بحرمة محمّد وآله الطاهرين.وادع لنفسك بما أحببت" 5.


1-قال المحدّث القمّي في منتهى الآمال ج 2 ص 57:ويحتمل أنّ هشام بن عبد الملك حرّض أخاه الخليفة الوليد بن عبد الملك على قتل الإمام ،وذلك للحقد والحسد الذي كان في قلب هشام على الإمام ،... فحينئذٍ يصحّ نسبة دسّ السمّ للإمام واستشهاده به إليهما.
2-الرعد:41.
3-مراجع من العلماء الأعلام:كتاب الوَفَيات ج 2 بتصرّف ص 173-175.
4-الأمين السيّد محسن:المجالس السنيّة ج 4 ص 275.
5-القميّ ابن قولويه:كامل الزيارات ص 117-120.