منزلة العبّاس عليه
السّلام عند الإمام الباقر والصادق عليهما السّلام
جاء في كتب المقاتل إنّ الإمام محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم
السّلام، المكنى بـ أبي جعفر، والملقّب من قبل جدّه رسول الله صلّى الله عليه
وآله عن الله تبارك وتعالى بلقب الباقر عليه السّلام، كان مع أبيه الإمام السجّاد
عليه السّلام وجدّه الإمام الحسين عليه السّلام قد حضر كربلاء، ومر عليه يوم
عاشوراء وهو ابن خمس سنين، فكان يدرك كلّ الوقائع المؤلمة التي وقعت فيه، ويتحسّس
جميع الأحداث المفجعة التي اتّفقت لهم عنده، فكان المصاب الأليم يعصر قلبه،
والرزايا العظيمة تستدرّ دمعه، وخاصّة عندما سمع بمقتل عمّ أبيه أبي الفضل العبّاس
عليه السّلام، ذلك البطل الضرغام الذي كان معسكر الإمام الحسين عليه السّلام،
وخاصّة مخيّم النساء آمناً في ظِلاله، ومطمئناً إلى حمايته ودفاعه، والذي بشهادته
عليه السّلام أمِنَ العدوّ جانب الإمام الحسين عليه السّلام، وأيقن بالسيطرة عليه، وسهرت عيون الهاشميات، وباتت خائفة من الأسر، مرعوبة من السبي،
وتسلّط الأعداء الجفاة عليهم.
ولذلك يمكن لنا القول بأنّ الإمام الباقر عليه السّلام تقديراً لمواقف عمّه أبي
الفضل العبّاس عليه السّلام المشرّفة، وشكراً لمساعيه الطيّبة، وإعلانا عن مقام
عمّه أبي الفضل العبّاس عليه السّلام عنده، ومنزلته لديه، قد لثم يدَي عمّه
المقطوعتين، وقبّلهما بحرقة ولوعة ، اقتداءً بأبيه الإمام السجّاد عليه السّلام،
وجدّه الإمام الحسين عليه السّلام، وذلك حين مرّوا به وبعمّاته والهاشميات على
مصارع القتلى، وأطافوا بهم حول أجسادهم الموذرة وأعضائهم المقطّعة.
وبذلك يكون قد قبّل يدَي أبي الفضل العبّاس عليه السّلام ولثمها خمسة من الأئمّة
المعصومين عليهم السّلام، وهم: الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، والإمام الحسن
المجتبى عليه السّلام، فإنّهما قبّلا يديه في حال صغره، وحين كانتا مثبتتين في
جسمه، والإمام الحسين عليه السّلام ، فإنّه قبّلهما في صغره مثبتتين، وفي كبره
مقطوعتين، والإمام السجاد عليه السّلام والإمام الباقر عليه السّلام ، فإنّهما
قبّلا يدَيه وهما مقطوعتان عن جسمه، مرميّتان على رمضاء كربلاء.
الإمام الصادق عليه السّلام ومنزلة العبّاس عنده
لقد روي عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام الشيء الكثير،
والجم الغفير في حقّ عمّه أبي الفضل العبّاس عليه السّلام، وكلّ واحد منها ينبئ عن
علوّ مقامه عنده، وسموّ منزلته لديه، بل كلّ واحد منها صريح في بيان ما لأبي
الفضل العبّاس عليه السّلام من الجاه والجلال عند الله تعالى، وعند رسول الله صلّى
الله عليه وآله، وعند فاطمة الزهراء عليه السّلام، وعند الأئمّة من أهل بيت رسول
الله صلّى الله عليه وآله.
وقد اشتهر منها قوله عليه السّلام في حقّه: كان عمّنا العبّاس بن علي عليه السّلام
نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله عليه السّلام وأبلى بلاءً حسناً،
ومضى شهيداً.
ويكفي أبا الفضل العبّاس عليه السّلام هذا الوسام الكريم من الإمام الصادق عليه
السّلام، الذي هو وسام من الله تعالى ، لأنّه عليه السّلام) يتكلّم عن آبائه عليهم
السّلام، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، عن جبرائيل، عن الله تعالى، وقد
أبان فيه عن مدى شخصيّة أبي الفضل العبّاس عليه السّلام الكبيرة، وكشف عبره عن
مغزى نفسية العبّاس عليه السّلام الرحبة، وأفصح في طيّاته عن معنوياته الواسعة
والصلبة.
وقد اشتهر منها أيضاً قوله عليه السّلام فيما علّمه شيعته وأصحابه إذا حضروا عند
مرقد أبي الفضل العبّاس عليه السّلام أن يخاطبوه به من لفظ الزيارة المرويّة بسند
صحيح متّفق عليه، والتي تبتدئ بتقديم التحيّة، وإهداء السّلام من الله وملائكته
وأنبيائه ورسله، وعباده الصالحين، وجميع الشهداء والصدّيقين، زاكيّة طيّبة في
كلّ صباح ومساء على العبّاس ابن أمير المؤمنين عليه السّلام، وتنتهي بالدعاء
والثناء، وطلب المغفرة والرضوان، ونيل الفلاح والنجاح للزائرين الوافدين، وتضمّ
فيما بين البدء والختم معانٍ شامخة، ومقامات سامية تضاهي ما جاء من المعاني
الشامخة في زيارات المعصومين عليهم السّلام، وتوازي ما روي من المقامات السامية لهم
سلام الله عليهم أجمعين.
فالزيارة هذه إذاً صريحة في عظمة أبي الفضل العبّاس عليه السّلام، وجلالة قدره
1.
1-الخصائص العبّاسيّة
/ محمّد إبراهيم الكلباسي النجفي ص 95_95. |