المقالات
محطات من محرم الحرام
مسلم بن عقيل ثبات وشهادة
علي الأكبر(ع) تضحية ووفاء
العباس (ع) تضحية ووفاء
الطالب بدم المقتول بكربلاء
مصائب النسوة والأطفال
تاريخ النهضة الحسينية
في درب الشهادة
رجال حول الحسين
سفير الحسين
عاشوراء والإمام الخميني
مواقف خالدة
رحلة السبي
خصائص ومرتكزات
شهادة الإمام السجاد
محطات قدسية
مجالس ومأتم
معرض الصور
لوحات عاشورائية
مراقد وأماكن مقدسة
مخطوطات
المكتبة
المكتبة الصوتية
المكتبة المرئية
 
 


 تهيئة مواد الخطاب‏

الأمر الأوّل: تهيئة موادّ الخطاب‏

يمكن وضع منهاج تدريجيّ لتهيئة موادّ الخطاب وجمعها يتكوّن من ستّ مراحل تخدم الخطيب بشكل كبير لا بدّ من اتباعه للمبتدئ وكلّ من لم يتمرّس في هذا الفنّ .

وأمّا من تمرّس فيه واشتدّ ساعده فقد لا يحتاج في تحضير خطابه إلّا إلى مراجعة بسيطة لبعض المصادر ليضيف إليها ما لديه من معلومات سابقة وينسّق الجميع في ذهنه ليخرج بخطبة كاملة متكاملة.

وهذه المراحل هي:


المرحلة الأولى

تحديد نوعيّة الخطاب المنويّ إلقاؤه، كأن يكون في حقل الأخلاق أو في حقل التفسير أو السياسة أو التاريخ أو القضاء، كما لو كان الخطيب قائداً عسكريّاً أو مسؤولاً سياسيّاً أو واعظاً دينيّاً أو محاضراً في علم التاريخ أو كان محامياً عن متهم أو وكيلاً للنيابة العامّة أو ما شابه ذلك، فإنّ عليه أن يحدّد نوعيّة الخطاب.

المرحلة الثانية

تحديد عنوان الموضوع الذي سيتناوله في خطبته، مثلاً:

"الغيبة" في الموضوع الأخلاقيّ.

"تفسير سورة القدر" في علم التفسير.

"تحديد الموقف العمليّ للمسلمين في مقابل الغزو الفكريّ" في عرض المفاهيم الإسلاميّة، أو تطبيق السياسة الإسلاميّة.

"معركة النهروان" في التحليل التاريخيّ.

"الدفاع عن متهم بالقتل" في القانون والقضاء. وما شابه ذلك.

المرحلة الثالثة

طلب الموضوع من مظانّه من الكتب التي تتعرّض لهذا النوع من الخطب أو البحوث، وعليه أن يراجع كتابين في كلّ علم على أقلّ تقدير، وكلّما طالع أكثر وعّدد المصادر كان أفضل، فإنّ ذلك يعطيه مجالاً أوسع في استعراض الآراء ومناقشتها والاستفادة منها في إثبات المطلوب، ويفسح له المجال للتعرّض لدقائق الأمور وجزئيّاتها، ففي موضوع "الغيبة" يراجع مثلاً: "المحجّة البيضاء" للفيض الكاشانيّ وكتاب "الغيبة" للشهيد الثاني...

وفي موضوع التفسير يراجع مثلاً: "الكشّاف" للزمخشريّ و"مجمع البيان" للطبرسيّ...

وفي الموضوع التاريخيّ يراجع مثلاً: "تاريخ الطبريّ" و"مروج الذهب" للمسعوديّ وهكذا.

"ويمكن معرفة الكتب التي تحتوي على مراد الخطيب بواسطة أمرين:"

1- أن يكون عنده اطلاع تفصيليّ على ما في الكتب التي تخدمه نتيجة مطالعاته السابقة، أو اطلاع عام إجمالي على الكتب التي تمتّ إلى موضوعه بصلة بحيث لو راجعها لتفتّحت أمّا مه أبواب أخرى ومصادر ثانية لموضوعه.

2- مراجعة فهارس المكتبات العامّة في المادة التي يريد البحث فيها، فيبحث في فهارس مادّة التاريخ عن الكتب التي تناسب موضوعه وهكذا في التفسير والأخلاق وغيرهما"1.

ويجب ألّا تخفى على الخطيب هكذا أمور و إلّا فعليه أن يعود للمطالعة العامّة لمدّة من الزمن فيقرأ بتروٍّ وإمعان ويكتب رؤوس أقلام لما قرأ. ويحفظ ما له علاقة بالمواضيع التي يحتمل أن يتطرّأ لها ويبحث عنها.

المرحلة الرابعة

البحث عن الشواهد التي تنفع الخطيب في دعم الموضوع الذي يريد التحدّث فيه كالبحث عن الآيات التي تتعرّض للغيبة مثلاً والأحاديث الشريفة والأقوال المأثورة والقصص التي تناسب المقام وبعض الأشعار والأمثال وما شابه ذلك ممّا سيأتي تفصيله وكيفيّة الاستفادة منه.

ولعلّ البحث عن الشواهد أو ما نسمّيه بالأعوان أصعب وأشقّ من البحث عن أصل الموضوع، وذلك لأنّ الأعوان أمور جزئيّة متفرّقة هنا وهناك، فربما تحصل على شاهد للأخلاق من كتب التاريخ وربما تحصل على شاهد للسياسة من كتب التفسير وهكذا...

ويمكن القول بكلّ وضوح أنّ سعة اطلاع الخطيب، وكثرة معلوماته ومحفوظاته تظهر جليّة في هذا المضمار.

فمن الخطباء البارزين من باستطاعته أن يعتمد على محفوظاته في إلقاء الخطب الطوال ويذكر فيها من الشواهد والأعوان ما لا يدع عند السامع شكّاً في صحّة كلامه وأحقيّته فيورد قصّة من هنا ويروي حادثة من هناك ثمّ يدعمه بالآيات القرآنيّة وبالشعر المحفوظ بشكل دقيق. وعليه ألّا ينسى إيراد اسم صاحب الأبيات أو أسماء الأشخاص الذين نزلت الآية فيهم أو دارت القصّة حولهم.

المرحلة الخامسة

كتابة النقاط الرئيسيّة على ورقة بشكل مرتّب ومنسّق على هذا الشكل:

أ- الآية أو الحديث أو القول المأثور الذي يفتتح به الخطاب.

ب- بعض الألفاظ الخاصّة التي تصلح للمقدّمة كمدخل إلى قلب الموضوع.

ج- طرح الموضوع، وذلك على النحو التالي:
1- تعريف محور البحث وتوضيح المعاني التي تحيط به.
2- ذكر التقسيمات والتفريعات بشكل مرتّب ومنظّم.
3- تبيين حكم كلّ قسم.

د- الأدلّة والشواهد والأمثلة على كلّ قسم من الأقسام المتقدّمة بأن تكتب إلى جنبه.

هـ- القصص المناسبة للمقام والتي لا بدّ من توزيعها بالشكل الذي يتناسب مع نقاط البحث...

و- الأعوان العامّة أو الخاصّة كالآيات والأحاديث والأمثال والأشعار، وما إلى هنالك... بشرط توزيعها في أمّا كنها المناسبة حين الكتابة أو على الأقل حين الإلقاء.

ز- الخاتمة وما يمكن أن يوجد فيها من ألفاظ بها أو أعوان كذلك كما سيأتي في بحث الخاتمة.

فإذا كان للخطيب سابقة خطابيّة ويتمتّع بذهنيّة جيّدة يمكنه أن يكتفي بهذا المقدار من التحضير و إلّا فلا بدّ أن يمرّ في المرحلة السادسة.

المرحلة السادسة

كتابة الخطاب مفصّلاً، كما لو كان الخطيب يكتب بحثاً أو رسالة أو مقالة، ولا يوجد كثير فرق بين الخطاب والبحث إلّا من حيث نوعيّة القضايا التي تستعمل في الخطابة فإنّها مشهورات ذائعات في الغالب دون البحث العلميّ أو المقالة الأدبيّة، ومن حيث الألفاظ الرنّانة التي يمتاز بها الأسلوب الخطابيّ عن غيره وهكذا من حيث التكرار فإنّه يستحسن في الخطابة ولا يستحسن في غيرها.

ثمّ بعد إتمام الكتابة يطالع الخطاب عدّة مرّات ويصحّح ما وقع فيه من الخطأ ثمّ يقرأه بصوت عال عدّة مرّات ليتعوّد على قراءته ولا يفاجأ به على المنبر.

فإن كان الخطيب مبتدئاً فلا بدّ له أن يصطحب معه الأوراق التي كتب الخطاب عليها ليتلوه من على المنبر.

وننصح الخطيب هنا ألّا يظهر الأوراق للمخاطبين إن أمكنه ذلك وخصوصاً إذا كان الموضوع طويلاً وقد استغرق عدّة أوراق، أو كان قد كتبه على ورقة كبيرة، فإنّ رؤية المخاطب لهذه الأوراق الكبيرة ومعرفته بأنّها ستتلى عليه بعد قليل بأكملها تقود إليه الضجر والسأم باكراً حتّى في بداية القراءة. فإن أمكنه ستر الأوراق الكثيرة خلف المنبر سترها، و إلّا فالأحسن أن تكتب على ورقة واحدة أو اثنتين من الحجم المتوسّط أو الصغير، وعدم مراعاة هذا الأمر سيؤدّي بالخطيب إلى نفس المصير الذي وصل إليه الخطيب النابي الذي مرّ كلام " ديكوب"2 عنه .

و أمّا إذا كان صاحب خبرة سابقة وتجربة ماضية فالأحسن له أن تكتب رؤوس الأقلام فقط، أي يكتفي بالمرحلة الخامسة التي تقدّم الكلام عنها، ثمّ يضع الورقة في كفّه بشكل غير ملحوظ للجمهور ويشرع في خطابه. فإذا احتاج إلى مراجعة آية أو نقطة ما استرق النظر إلى الورقة فقرأها أو استذكر بها ما يريده.

وهذا الأسلوب متّبع عند كثير من الخطباء. وقد شاهدت العديد من الخطباء لا يبدو عليهم التحرّج من هذا الأسلوب، وميزته أنّه ارتجال إلى حدّ ما ويعين على الارتجال التامّ. والمخاطب يرتاح إلى الخطاب الارتجاليّ أكثر بكثير من ارتياحه للخطاب المقروء عن الورقة. وبما أنّ الكلام قادنا إلى الارتجال فلنبحث عنه في هذا الفصل.

* دروس في فن الخطابة. نشر جمعية المعارف. الطبعة: 4. ص: 59-64.


1- راجع حول هذا الموضوع كيف تكتب بحثاً أو رسالة لأحمد شلبي، ص41.
2- راجع ص 147، من هذا الكتاب.