المقالات
محطات من محرم الحرام
مسلم بن عقيل ثبات وشهادة
علي الأكبر(ع) تضحية ووفاء
العباس (ع) تضحية ووفاء
الطالب بدم المقتول بكربلاء
مصائب النسوة والأطفال
تاريخ النهضة الحسينية
في درب الشهادة
رجال حول الحسين
سفير الحسين
عاشوراء والإمام الخميني
مواقف خالدة
رحلة السبي
خصائص ومرتكزات
شهادة الإمام السجاد
محطات قدسية
مجالس ومأتم
معرض الصور
لوحات عاشورائية
مراقد وأماكن مقدسة
مخطوطات
المكتبة
المكتبة الصوتية
المكتبة المرئية
 

 

صلاة الظهيرة

وبقيَ القِتالُ على أَشُدِّهِ حتَّى انتصفَ النهار، فكانَ إذا قُتِلَ الرجُلُ والرجلانِ من أصحابِ الحسينِ علي السلام يَبِينُ ذلكَ فيهِمْ لِقلَّتِهِم، ولا يَبينُ القتْلُ في جيشِ عُمَرَ بْنِ سعدٍ معَ كَثْرةِ مَنْ يُقتَلُ منْهُم لِكَثْرَتِهِم.

وكان قد قُتلَ منْ أنصارِ الإمامِ علي السلام أكثرُ منْ أربعين.

واقتربَ وقتُ زَوالِ الشمسِ، فقالَ أبو ثُمامةَ الصائدِيّ:"يا أبا عبدِ الله!نفسِي لكَ الفِداء، إنّي أرَى هؤلاءِ قدِ اقتربوا منك، لا واللهِ، لا تُقْتَلُ حتَّى أُقتلَ دونَكَ إنْ شاءَ الله، وأُحِبُّ أنْ ألقَى ربِّيَ وقد صلَّيْتُ هذهِ الصلاةَ التي قد دَنا وقتُها".

فرفَعَ الحسينُ علي السلام رأسَهَ ثم قال:"ذَكرْتَ الصلاةَ، جعلَكَ اللهُ من المُصلِّينَ الذاكرين، نعَمْ هذا أوَّلُ وقتِها".

ثُمَّ قالَ علي السلام:"سَلُوهُم أنْ يَكُفُّوا عنَّا حتّى نصلّي".

ففعلوا.
فقالَ لهُمُ الحُصَينُ بنُ تميم:إنَّها لا تُقْبَل.

فردَّ عليهِ حبيبُ بنُ مُظاهِر:"زعمْتَ الصلاةَ منْ آلِ الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِمْ لا تُقْبَلُ، وتُقْبَلُ منكَ يا خَمَّار!".

فحمَلَ عليهِ الحصينُ بنُ تميمٍ فخرَجَ إليهِ حبيبُ بنُ مُظاهِرٍ فضرَبَ وجْهَ فرسِهِ بالسيفِ، فشَبَّ ووقَعَ عنه، وحمَلَهُ أصحابُهُ فاستنقذُوه.

وقاتلَ حبيب قتالاً شديداً حتّى استُشْهِدَ، فهدَّ ذلكَ الحسينَ علي السلام، وقال:"عندَ اللهِ أَحتسِبُ نفسي وحُماةَ أصحابي".

ولما قُتِلَ حبيبٌ أخَذَ الحرُّ يقاتِلُ راجلاً، فحمَلَ على القومِ معَ زهيرِ بنِ القَيْن، فكانَ إذا شَدَّ أحدُهُما فاستلْحَمَ شدَّ الآخرُ واستنقذَه، ففعَلا ذلكَ ساعة.

فبَيْنا الناسُ يتجاوَلُونَ ويقْتتِلُونَ والحُرُّ يَحْمِلُ على القومِ مُقْدِماً، فبرَزَ لهُ يزيدُ بنُ سُفيان، فما لَبِثَ الحرُّ أنْ قتلَهُ(..).

واستبسَلَ يضربُهُم بسيفِهِ وتكاثَرُوا عليهِ حتَّى استُشهِدَ رِضوانُ اللهِ عليه، فحمَلَهُ أصحابُهُ ووضعُوهُ بينْ يدَيْ الإمامِ الحسينِ علي السلام وبهِ رَمَقٌ، فجعَلَ الحسينُ علي السلام يمسَحُ وجهَهُ ويقول:"أنتَ الحرُّ كما سمَّتْكَ أمُّك، وأنتَ الحرُّ في الدنيا وأنتَ الحرُّ في الآخرة".

وصلَّى الحسينُ علي السلام بأصحابِهِ صلاةَ الظُّهر.

فوصَلَ إلى الحسينِ علي السلام سهمٌ فتقدَّمَ سعيدُ بنُ عبدِ اللهِ الحنَفِيُّ ووقَاه بنفسِهِ ما زالَ ولا تخَطَّى حتَّى سقَطَ إلى الأرضِ وهُوَ يقول:"أللهُمَّ العنْهُمْ لعنَ عادٍ وثمود، اللهمَ أَبْلِغْ نبيَّكَ عنّي السلامَ وأبْلِغْهُ ما لَقِيتُ من ألَمِ الجِراحِ فإنّي أردْتُ ثوابَكَ في نَصْرِ ذريَّةِ نبيِّك".

ثُمَّ التفتَ إلى الحسينِ علي السلام، فقالَ لهْ:"أَوفَّيْتُ يا ابنَ رسولِ الله؟".

فقالَ الإمامُ علي السلام:"نعمْ، أنتَ أمامي في الجنَّة".

ثُمَّ قَضى نحبَهُ رِضوانُ اللهِ عليهِ، فوُجِدَ بهِ ثلاثَةَ عشَرَ سَهْماً سوَى ما بهِ منْ ضَرْبِ السيوفِ وطَعْنِ الرِماح.
 


*مختصر المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء,جمعية المعارف الاسلامية الثقافية,الطبعة الاولى ك1-2008/1429-ص27