صحبته من خير الرجالِ عصابةٌ |
غرَّ فطاب الصحبُ
والمصحوبُ |
آساد ملحمةٍ ضراغم غابةٍ
|
همُ بنازلةِ الوغى ترحيبُ |
أبطالُ حربٍ كم بهم قامت على |
أهل النفاق وقائعٌ
وحروبُ |
منهم زهيرُ زاخر الأفعالِ يتـ |
ـبعه بريرٌ ومسلمٌ
وحبيبُ |
وأتى المساء وقد تجهم وجههُ |
واليوم محتشد البلاء
عصيبُ |
قال اذهبوا وانجوا ونجوّا أهل بيـ |
ـتي إني وحديْ
أنا المطلوبُ |
فأبت نفوسهم الأبية عند ذا |
أن يتركوه مع العدا
ويئيبوا |
ماذا يقول لنا الورى ونقوله |
لهم ومن عنّا يجيبُ مجيبُ |
إنا تركنا شيخنا وإمامنا |
بين العدى وحسامُنا مقروبُ |
فالعيش بعدك فبحّت أيّامُهُ |
والموت فيك محبّب مرغوبُ |
باتوا وبات أمامهم ما بينهم |
ولهم دويُّ حوله
ونحيبُ |
وبدا الصباح فاقبلت زمرُ العدى |
نحو الحسين لها الضلال حبيب |
فتقدم الأنصار للأقران مسـ |
ـرعة وللحرب العوان
شبوب |
يأبون أن يبقوا وآل نبيّهم |
كلُّ على وجه الصعيد
تريبُ |
فاستقبلوا ضرب السيوف بأوجهٍ
|
غرّاء عن زُهر النجوم تنوبُ |
حتى هووا فوق الصعيد كأنهم |
أقمارُ تمٍّ في الدماء
رُسُوبُ? |
(فائزي): خلصتْ أنصاره وظلْ أبو السجّاد محتارْ
|
جيش تجيل ومنعْ مايْ وقلة أنصارْ |
ينادي بقيت وحيد ينصار الحميّه |
وامن الضياغم ظلّت
اخيامي خليّه |
ومن كل جانب حايطتني جنود أميه |
والعطش فت الكبد
والجوّ اشتعل نار |
قلهم بنومتكم تهنّوا يا مطاعين |
وبلغوا سلامي جديّ وخَيرِ الوصييّن |
وقولوا بقه مفرود ما بين العدى حسين |
حزتوا الشرف
والفوز يا سادة الأحرار |
(أبو ذيّه): تناخت والثلث تنعام منها |
تموت وياك
كلها فرد منها |
اشنقلْ للناس لو هيْ تقول منها |
الاجت وحسين تم
بالغاضرية |
(أبو ذيّه): وحق أنصار أبو السجّاد والحر |
انعرف
بالغاضرية العبد والحر |
رغم الموت رغم العطش والحر |
فدوا أرواحهم لابن الزكيّة |
(تخميس): يا من تفانوا إلى جنب الفرات ظمأ |
وروّوا
البيض في بومه الكفاحِ دما |
ومضوا عطاشا ولكن روّوا الخذما |
ليسقِ عهدكم صوبُ
الغَمام فما |
سقاكم النهر عذب المال ظامينا |
ثم إن للوفاء أبعاداً، فقد يكون وفاءً لشخص ما
لعلاقة شخصية معه، أو وفاءً لأسرة بحكم العلاقة
الأسريّة، أو لرفقة عمل أو دراسة أو غير ذلك وكلها
أمور محمودة في نفسها.
وقد يكون وفاء الإنسان على أساس مبدأ وقيم ودين،
أي يتجاوز البعد الشخصي إلى الأبعاد والمفاهيم
العليا والمبادئ السامية، فهذا هو أروع أبعاد
الوفاء، وفي قمته يأتي الوفاء لخط السماء، ومن
يمثّل ذلك الخط، حيث ينظر إليه لا بعنوانه الشخصي
بل ببعده الرسالي.
ولنقف في مجلسنا هذا ـ ونحن في ليلة الأنصار ـ على
ثلاثة مواقف.
الموقف الأول كان في يوم أحد حيث استشهد الكثير من
المسلمين فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم
يتفقّد أصحابه بعد انتهاء المعركة، وما مصيرهم.
حتى قال: من ينظر إلى ما فعل سعد بن الربيع أفي
الأحياء هو أم الأموات؟ فقال رجل من الأنصار: أنا
أنظرُ لك يا رسول الله.
فذهب يبحث عنه فوجده بين القتلى وبه رمق من
الحياة، فقال له: إن رسول الله أمرني أن أنظر له
في الأحياء أنت أم في الأموات، فقال: أنا في
الأموات، فأبلغ رسول الله عني السلام وقل له: إن
سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله خيرَ ما جزى
نبيّاً عن أمته، وأبلغ عني قومك السلام وقل لهم:
إن سعد بن الربيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند
الله إن خلُص إلى نبيّكم سوءٌ وفيكم عين تطرف! ثم
تنفّس فمات. فرجع الأنصاري إلى النبي صلى الله
عليه وآله وسلم وأخبره بحاله، فقال صلى الله عليه
وآله وسلم: رحم اللهُ سعداً نصرنا حيّاً وأوصى بنا
ميّتاً8.
وكان الموقف الثاني مع أمير المؤمنين عليه السلام
يوم صفّين. إذ صُرع أحد أصحابه واسمه عبد الله بن
بدُيل، فمرّ به الأسودُ الخزاعي وهو بآخر رمق،
فقال له: عزّ عليّ والله مصرعك، ثم توجّع له، ونزل
إليه وقال: رحمك الله يا عبد الله إذ كنتَ لمن
الذاكرين الله كثيراً، أوصني رحمك الله. فقال:
أوصيك بتقوى الله، وأن تناصح أمير المؤمنين وتقاتل
معه حتى يظهر الحق أو تلحق بالله، وأبلغ أمير
المؤمنين عني السلام وقل له: قاتل على المعركة حتى
تجعلها خلف ظهرك، فإنه من أصبح والمعركة خلف ظهره
كان الغالب، ثم لم يلبث أن مات. فأقبل الأسود إلى
علي عليه السلام فأخبره، فقال: رحمه الله جاهد
معنا عدوّنا في الحياة ونصح لنا في الوفاة9.
أما الموقف الثالث للوفاء ـ وإني أظن أن النفوس
والأرواح والقلوب قد تهيأت للانتقال إلى كربلاء ـ
فقد كان في كربلاء، وقد كان من مسلم بن عوسجة
الأسدي حينما صرع يوم عاشوراء وبه رمق، فمشى إلى
مصرعه الإمام الحسين عليه السلام ومعه حبيب بن
مظاهر الأسدي، حيث تلا الحسين عليه السلام قوله
تعالى:
﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا
تَبْدِيلاً﴾10 ثم قال له: رحمك الله يا مسلم. وجاء
دور حبيب ليقول له: عزّ عليّ مصرعُك يا مسلم، أبشر
بالجنة، فقال مسلم: بشرّك الله بخير يا أخي يا
حبيب، ثم أردف حبيب قائلاً: لولا أعلم أني في
الأثر لأحببتُ أن توصيني بجميع ما يهمّك، فقال
مسلم: أوصيك بهذا، وأشار إلى الحسين عليه السلام،
أن تُقتل دونه؟ فقال له حبيب: لأُنعمنّك عينا يا
أخي يا مسلم، ثم فاضت روحه بينهما!
فساعد الله قلب زينب عليها السلام وهي ترى أخاها
الحسين عليه السلام ينادي أصحابه ويستغيث حيث لا
مُجيب ولا مغيث؛ فوجهت وجهها إلى النجف تنادي
أباها: