المقالات
محطات من محرم الحرام
مسلم بن عقيل ثبات وشهادة
علي الأكبر(ع) تضحية ووفاء
العباس (ع) تضحية ووفاء
الطالب بدم المقتول بكربلاء
مصائب النسوة والأطفال
تاريخ النهضة الحسينية
في درب الشهادة
رجال حول الحسين
سفير الحسين
عاشوراء والإمام الخميني
مواقف خالدة
رحلة السبي
خصائص ومرتكزات
شهادة الإمام السجاد
محطات قدسية
مجالس ومأتم
معرض الصور
لوحات عاشورائية
مراقد وأماكن مقدسة
مخطوطات
المكتبة
المكتبة الصوتية
المكتبة المرئية
 
 


مادة مقدّمة الخطاب

بما أنّ الخطاب ينقسم إلى الأجزاء الثلاثة التي بحثنا عنها في هيئة الخطاب فلا بدّ من تناول هذه الأقسام بعينها في مادّة الخطاب.

لا بدّ أن تحتوي المقدّمة على ما نفتتح به الخطبة كالبسملة والحمد والصلاة على النبيّ وآله عند المسلمين، أو الاكتفاء بالسلام على الجمهور كما يفعل غيرهم وربما كان هناك من غير المسلمين من لا يتحرّج من البدء بها بدون أيّ شي‏ء من هذا القبيل.

وكان المسلمون يسمّون الخطبة التي لا يبتدأ فيها بما ذكرنا بالبتراء، ولعلّه لأجل ذلك سمّيت خطبة زياد بن أبيه التي ألقاها حينما تولّى البصرة من قبل معاوية بالبتراء حتى عرفت بهذا الاسم.

ثمّ بعد الحمد والثناء يدخل الخطيب في ذكر أمور عامّة تكون كعنونة لما سوف يأتي الكلام عنه مفصّلاً في العرض.

ولا بدّ في المقدّمة من مراعاة الهدوء والتمهّل في الإلقاء واستعمال الألفاظ الجزلة الرقيقة الناعمة مهما أمكن.

ولا بأس بأن تكون محتوية على بعض الاستعارات والتشابيه ممّا يجعلها حسنة مقبولة لدى السامع.

وغالباً ما تلقى المقدّمة بصوت منخفض كما قدّمنا في بحث الإلقاء، إلّا الخطب العسكريّة فقد يلزم الأمر بل لعلّ ذلك هو الغالب فيها أن يبدأ الخطيب بكلمات قاسية فخمة وبصوت عال، كأن يقول: "بسم الله قاسم الجبّارين، مبير الظالمين، مدرك الهاربين، نكال الظالمين، صريخ المستضرخين..."1.

وتختلف افتتاحيات الخطب باختلاف أنواعها، فالخطب الدينيّة مثلاً إن كانت من خطب الوعظ والإرشاد تفتتح عادة بآية كريمة من القرآن الكريم أو بحديث نبويّ أو حديث قدسيّ وما شابه ذلك. وإن كانت من خطب المجالس الحسينيّة تفتتح عادة بعدّة أبيات شعريّة تصوّر بعض ما جرى في كربلاء وما شابه ذلك.

وفي غير الخطب الدينيّة تختلف الافتتاحيّات من خطيب إلى آخر ومن حفل إلى حفل ومن موضوع إلى موضوع ومن جمهور إلى جمهور ممّا لا يمكن تحديده.

فقد يبدأ الخطيب افتتاحيّته بذكر قول مأثور لأحد الحكماء أو الفلاسفة، وربما بدأ بذكر مثل شعبيّ أو ببيت من الشعر. وقد يشرع الخطيب في خطبته بتقديم نفسه كأحد أفراد الجمهور طالباً منهم أن يعدّوه واحداً منهم وألّا ينظروا إليه باعتباره صاحب مركز مرموق أو منصب اجتماعيّ أو مسؤوليّة سياسيّة، وربما كثر ذلك في افتتاحيّات الخطب الأخلاقيّة حيث يذكر لهم الخطيب أن ما سيعظهم به إنّما هو تذكرة له قبلهم، و أنّه يعلّم نفسه قبل نفوسهم فإنّ ذلك يدعو لراحة نفوس سامعيه وإقبالهم عليه.

وقد يبدأ الخطيب بذكر ما هو مسلّم عندهم ممّا لا يشكّون في صحّته حتى إذا دلف إلى العرض اتخذ ذلك ذريعة وبنى عليه أفكاره ليصل إلى مطلوبه ممّا لم يكونوا يتوقّعونه، وحينئذٍ لا يجدون مفرّاً من الإذعان بما جاء، ومن أمثلة ذلك ما ورد في افتتاحيّة خطبة الوداع التي ألقاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غدير خمّ حيث أراد إلزامهم بولاية عليّ بن أبي طالب بعده وفيهم من يكره ذلك فقال: "ألست أوّلى بكم من أنفسكم"؟

قالوا: "اللهم بلى".

فقال: "من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله..."2.

وكذلك ما ورد في خطبته بقومه حينما نزل قوله تعالى: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين حيث جمعهم وقال لهم: "أرأيتكم إن أخبرتكم أنّ العدوّ مصبحكم أو ممسيكم ما كنتم تصدّقوني"؟

قالوا: "بلى".

قال: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ3.

ومن الافتتاحيّات الناجحة في استدراج المستمعين أن يقول الخطيب إذا كان يخطب خطاباً عسكريّاً ويهدف إلى حثّهم على الاستبسال والتضحية: "أيّها الأبطال، يا من قهرتم الأعداء حتى خافتكم الأمم، يا من لم يركعوا لظالم قطّ ولن يركعوا مهما تكاثرت الأعداء وتكالبت في وجههم الوحوش الضارية، أنتم الشجعان يا أباة الضيم... الخ". ثمّ بعد تقديم هكذا مقدّمة يذكر لهم ما يريده.

وممّا يحسن في المقدّمة مراعاة الاستهلال. وهي من المحسّنات البديعيّة وقد عرّفوها بأنّها: "اشتمال الكلام في المقدّمة على إشارة إلى ما سيق الكلام له"4.

ولنوضّح لك براعة الاستهلال بالمثال نعرض بين يديك ما ورد في مقدّمة كتاب الصمديّة في النحو للشيخ البهائيّ حيث قال:
"أحسن كلمة يبتدأ بها الكلام، وخير خبر يختم به المرام، حمدك اللهم على جزيل الأنعام. والصلاة والسلام على سيّد الأنام، محمّد وآله البررة الكرام سيّما ابن عمّه عليّ عليه السلام الذي نصبه علماً للإسلام، ورفعه لكسر الأصنام جازم أعناق النواصب اللئام وواضع علم النحو لحفظ الكلام..."5.

انظر إلى كلمة "يبتدأ"، "خبر"، "كلمة"، "نصبه"، "رفعه"، "علماً"، "جازم"، "النواصب"، وكلمة "كسر" ولاحظ تناسبها مع الموضوع الذي وضع له ذلك الكتاب وهو علم النحو.

وهكذا ظهر لنا كيف نأتي بمقدّمة موفّقة في مستهلّ خطبتنا وما علينا إلّا التمرّن والتطبيق.

وفي ختام بحث المقدّمة نقدّم لك مثالاً حيّاً يحتوي على ما ذكرنا من شرائط ويأخذ بيدك كي تحسن افتتاحيات الخطب:
قال عليّ عليه السلام في مقدّمة خطبة المنافقين، بعد البسملة: "نحمده على ما وفّق له من الطاعة وذاد عنه من المعصية، ونسأله لمنّته تماماً وبحبله اعتصاماً. ونشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله خاض إلى رضوان الله كلّ غمرة، وتجرّع فيه كلّ غصّة، وقد تلوّن له الأدنون، وتألّب عليه الأقصون وخلعت إليه العرب أعنّتها، وضربت إلى محاربته بطون رواحلها...".

ثمّ قال في ضمن العرض: "أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحذّركم أهل النفاق فإنّّهم الضالّون المضلّون، والزالّون المزلّون، يتلوّنون ألواناً، ويفتنون افتناناً، ويعمدونكم بكلّ عماد، ويرصدونكم بكلّ مرصاد..."6.

فلاحظ كيف بدأ بالحمد والصلاة وكيف ضمّن الصلاة الإشارة إلى ما يريد التعرّض له في العرض، وكيف ذكر ألفاظاً توحي بما سيأتي مثل كلمة "الاعتصام بحبل الله"، وكلمة "تلوّن" وكلمة "تألّب" ممّا يتناسب مع النفاق كما هو ظاهر.

* دروس في فن الخطابة. نشر جمعية المعارف. الطبعة: 4. ص: 75-79.


1- مفاتيح الجنان، دعاء الافتتاح، ص180.
2- الغدير، العلاّمة الأمينيّ، ج1، ص11.
3- مجمع البيان في تفسير القرآن،الطبرسيّ، ج4، ص206.
4- شرح مختصر المعاني، العلّامة التفتازانيّ، ص246.
5- شرح الصمدية، الحسينيّ، ص4.
6- نهج البلاغة، خطبة رقم 194، ص207.