المقالات
محطات من محرم الحرام
مسلم بن عقيل ثبات وشهادة
علي الأكبر(ع) تضحية ووفاء
العباس (ع) تضحية ووفاء
الطالب بدم المقتول بكربلاء
مصائب النسوة والأطفال
تاريخ النهضة الحسينية
في درب الشهادة
رجال حول الحسين
سفير الحسين
عاشوراء والإمام الخميني
مواقف خالدة
رحلة السبي
خصائص ومرتكزات
شهادة الإمام السجاد
محطات قدسية
مجالس ومأتم
معرض الصور
لوحات عاشورائية
مراقد وأماكن مقدسة
مخطوطات
المكتبة
المكتبة الصوتية
المكتبة المرئية
 
 


 مادة العرض

جهة اللفظ

الأمور التي تراعى في ألفاظ العرض إمّا لازمة أو مستحسنة لا يجب مراعاتها، أمّا الأمور التي يلزم مراعاتها فعشرة أمور، ولكن قبل استعراضها نستمع إلى ما جاء في الشفاء حول أهميّة جهة اللفظ في الخطاب وهو:
"للفظ سلطان عظيم، وهو أنّه قد يبلغ به، -إذا أحكمت صنعته- ما لا يبلغ بالمعنى، لما يتبعه أو يقارنه من التخيّل. فإذعان النفس تهيّئه لها قوّة اللفظ فيقرّب البعيد من التصديق"1.

وأمّا الأمور العشرة التي يجب مراعاتها فهي:

الأوّل: وضوح اللفظ

لا بدّ أن تكون الألفاظ التي يتكوّن منها الخطاب واضحة للمخاطبين بحيث يمكنهم فهمها بسرعة من دون حاجة إلى كثير تأمّل وإعمال نظر. فإنّ وضوحها يقرّب الهدف من متناول يد الخطيب حيث يصبح من السهل عليه حملهم على الاعتقاد بصحّة ما يقوله. وكيف يأمل التأثير عليهم إذا استعمل كلمات غريبة بعيدة عن أذهانهم لا يفهمونها إلّا بالرجوع إلى كتب متن اللغة.

الثاني: مراعاة القواعد النحويّة

فيجب أن يحرّك أواخر الكلمات تحريكاً صحيحاً، ويبتعد عن أسلوب تسكين أواخر الكلمات فراراً من الوقوع في الأخطاء النحويّة فإنّ ذلك يعود عليه بسلبية كبيرة حيث ينزل مستوى خطابه إلى أدنى المستويات ويصبح عاميّاً ليس عليه أي مسحة من الفصاحة.

ولا يخفى عليك أيضاً أنّ الخطأ في تحريك الكلمات يغيّر المعنى تغييراً أساسيّاً بل ربما أفسد المعنى في بعض الحالات. ألا ترى أنّ قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء لو قرأ بضمّ لفظ الجلالة لصار المعنى أنّ الله هو الذي يخاف من العلماء، وأنّ قوله تعالى: ﴿أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُه لو قرأت كلمة "رسوله" بالكسر لصار المعنى أنّ الله بري‏ء من رسوله.

كلّ هذا بالإضافة إلى ما يتركه الخطأ النحويّ من اشمئزاز في نفوس سامعيه، واستصغار قدره وقد مرّ ما لذلك من تأثير عليهم.

الثالث: مراعاة القواعد الصرفيّة

اللغة العربية لغة الاشتقاق وللكلمة اشتقاقات متنوّعة ومتعدّدة، وعلى الخطيب أن يجيد اشتقاق ما يريده من ألفاظ كي تكون ألفاظ خطابه صحيحة الصياغة والتصرّف، وذلك يحتاج إلى اطلاع على القواعد الرئيسيّة في علم الصرف وإتقانها، فمثلاً: يقال "نهى" "ينهى" وليس "ينهي" و"ينهوَن" وليس "ينهوُن". ويقال: "حاك الثوب" "يحوكه" وليس "يحيكه"... وهكذا.

الرابع: التلفّظ اللغويّ الصحيح

لكلّ كلمة بالإضافة إلى ما لها في علميّ النحو والصرف من أحكام تلفّظ خاصّ من الناحية اللغوّية أي في أصل وضعها يفرّقها عن غيرها ممّا يشابهها من الألفاظ. فمثلاً يقال: "مِنْ ثَمَّ" وليس "مِنْ ثُمَّ"، ويقال: "الغَسْل" إن أردنا المصدر، و"الغُسْل" إن أردنا اسم المصدر... وهكذا.

الخامس: مراعاة التذكير والتأنيث

والمراد هنا المراعاة في كامل الخطبة في الحالات كلّها إذ أنّ هناك بعض الحالات المحرجة للخطيب من هذه الناحية فقد يتعرّض للكلام عن مجموعة نساء ومجموعة رجال ويبتلى بلزوم إرجاع الضمائر بشكل صحيح إلى كلّ بحسبه فيقال مثلاً: "حينما دخل عدّة نساء دكان بائع الأزهار وهن يلبسن ثياباً فاخرة أسرع البائع لخدمتهنّ ثمّ دخل ثلاثة رجال وألقوا التحيّة على الجميع فأجبن عليهم السلام. وعندما حاول الرجال أن يجلسوا خجل النسوة وأردن الانصراف...".

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ2.

السادس: مراعاة المفرد والمثنّى والجمع

أمّا مراعاة المفرد فأمر يسير وكذلك الجمع إلى حدّ ما، وأمّا المثنّى فلا تخلو مراعاته من صعوبة خصوصاً إذا اجتمع المثنّى مع الجمع أو مع المفرد.

ولنعد إلى نفس المثال المتقدّم لنطبّقه على حالة التثنية: "حينما دخلت امرأتان دكّان بائع الأزهار وهما تلبسان ثياباً فاخرة أسرع البائع لخدمتهما ثم دخل ثلاثة رجال وألقوا التحيّة على الجميع فردّتا عليهم السلام. وعندما حاول الرجال أن يجلسوا خجلت المرأتان وأرادتا الانصراف".

قال تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ3.

السابع: الترفّع عن الألفاظ الدنيئة

كثيراً ما يحتاج الخطيب أن يعبّر عن أمر يستقبح ذكره، كالعورة وفضلات الإنسان وما شابه ذلك فلا بدّ له حينئذ من استعمال الكناية بدل التصريح كي لا يثير اشمئزاز السامعين.

وقد قال الشيخ الرئيس في هذا المضمار: "وقد يبدّل الاسم بالقول، إذا كان التصريح يستبشع، مثل الاسم الصريح لفرج النساء، فالأحسن أن يبدّل فيقال: "عورة النساء"، كما يبدّل اسم "الحيض" بدم النساء، ويبدّل الاسم الصريح للجماع "بلمس النساء". وربما بدّل الاسم بالصفة المفردة فيقال بدل الاسم الصريح للجماع الوطئ، وبدل اسم ذلك الذي لهن "العورة". وربما تركت الصفة وفُزِع إلى التشبيه والاستعارة"4.

الثامن: مراعاة تعدية الفعل المتعدّي ولزوم اللازم

لا بدّ أن يعدّى الفعل المتعدّي إلى مفعوله أو مفعوليه أو مفاعليه بحسب استعمال كلّ فعل.

كما لا بدّ من التعدية بالحرف المناسب إذا أريد تعدية الفعل اللازم فيقال مثلاً: "ذهبت إليه" ولا يقال: "ذهبت له". ويقال: "رغبت عنه" إذا أريد التعبير عن إدبار النفس عن الشي‏ء و"رغبت فيه" إذا أريد إقبال النفس... وهكذا.

التاسع: مراعاة الرباطات

الرباطات هي الحروف والأدوات التي يقتضي النطق بها مرّة أخرى لارتباط كلام آخر بها، فيجب الالتفات إليها ومراعاتها، فمثلاً إذا قال المتكلّم: " أمّا أنا فقد قلت كذا" فإنّه يجب أن يأتي بأمّا أخرى تقابلها فيقول مثلاً: "وأمّا أنت فما فعلت شيئاً".

فإنّ الوقوف على " أمّا " الأوّلى هو نقصان في الكلام إلّا في حالة يراد فيها التعويض وهي نادرة. وعلى الخطيب أن لا يباعد بين الرباطين بحشو كثير ينسي ما بينهما من الاتصال، وأن يراعي حقّ الرباط من التقدّم والتأخير، جاء في الشفاء أنّه يجب أن يقول: "لمّا كان كذا، كان كذا".

فإنّ حقّ لمّا أن تقدم ويقول: "كان كذا لأنّ كان كذا".

فإنّ تقديم "لأنّ" قبل الدعوى سمج5.

العاشر: سبك الجمل

يجب مراعاة الدقّة في سبك الجمل، بحيث تكون محكمة ومتينة وكأنّها تصدر عن تصميم ورويّة، وذلك بأن يقدّم الفعل ويأتي بالمفعول بعد الفاعل إلّا إذا كان مقتضى الحال خلاف ذلك مثلاً لو أراد الحصر فيقدّم المفعول به على الفعل أو على الفاعل وما شابه ذلك. والخلاصة لا بدّ من مراعاة ما تتطلّبه قواعد علم المعاني في هذا المضمار.

ولترابط الجمل وقوّة سبكها الأثر الفعّال في مساعدة السامع على سلامة الانتقال من فكرة إلى فكرة والارتقاء بمشاعره وأحاسيسه من حالة إلى حالة حتّى الوصول إلى حالة الإقناع بالغرض وذلك بالوصول إلى ذروة الانفعال مع الخطيب والتأثّر بقوله.

* دروس في فن الخطابة. نشر جمعية المعارف. الطبعة: 4. ص: 81-86.


1- الشفاء، قسم الخطابة، ص220.
2- الممتحنة:9.
3- القصص:23.
4- الشفاء، قسم الخطابة، ص217.
5- الشفاء، قسم الخطابة، ص213.