المقالات
محطات من محرم الحرام
مسلم بن عقيل ثبات وشهادة
علي الأكبر(ع) تضحية ووفاء
العباس (ع) تضحية ووفاء
الطالب بدم المقتول بكربلاء
مصائب النسوة والأطفال
تاريخ النهضة الحسينية
في درب الشهادة
رجال حول الحسين
سفير الحسين
عاشوراء والإمام الخميني
مواقف خالدة
رحلة السبي
خصائص ومرتكزات
شهادة الإمام السجاد
محطات قدسية
مجالس ومأتم
معرض الصور
لوحات عاشورائية
مراقد وأماكن مقدسة
مخطوطات
المكتبة
المكتبة الصوتية
المكتبة المرئية
 
 

االليلة الثامنة

حُزنُ ابنُ لَيلَى يَستَدِرُّ مَدامِعِي
سَلْ عَنهُ أَكنَافَ الطُفوفِ فَكَمْ بِهَا
مَلَكَ الوَغَى بِحُسَامِهِ فَأَحَالَهَا
غَيرَانَ يَفتِكُ بِالأُلوفِ وَعُمْرُهُ
وَالسِبطُ يَرصُدُهُ وَفَوقَ جَبينِهِ
وإذَا بِهِ يَدعوهُ أدرِكنِي فَقَد
حتّى إذا دَفَعَ العِدَى عَن شِبلِهِ
ألفَاهُ مُنعَفِرَ الجَبينِ تَمَازَجَتْ
وَأَحَلَّ رَأسَ وَليدَهُ في حِجرِهِ
يَا نَبعَةً غَذَّيتُهَا بِدَمِ الحَشَا
أَبُنيَّ كُنتَ الأنِيسَ إذا دَجَى
بعديت وللگلب سرَّيت بعداك
على الدنيا العفى يا بويه بعداك

وَعَظِيمُ هَمَّتِهِ يُثيرُ هَنَائِي
تَرَكَتْ صَفيحَتُهُ مِن الأَشلاءِ
دَهْمَاءَ أَعيَتْ أَلسُنَ البُلَغَاءِ
مَا جَاوَزَ العقدَينِ مِن الإحصَاءِ
لِلنَاظِــرينَ بَوَادِرُ الســـرَّاءِ
دَارَتْ عَليَّ بِجَمعِهَا أعدَائي
آوَى إليهِ بِلَوعَةٍ وَبُكاءِ
حُمْرُ الدِمَاءِ بِوَجنَةٍ بيضَاءِ
وَانصَاعَ يِمسِحُ عَثيرَ الغَبرَاءِ
وَغرسَتُهَا في رَوضَةٍ غَنَّاءِ
الليلُ البَهيمُ وَكنتَ بَدرَ سَمائِي
وفعلت أفعال حامي الجار بعداك
علي وسفه تروح من بين ايديه

بعد أن استشهد كلّ الأصحاب,ولم يبقَ مع الحسين عليه السلام إلّا أهل بيته,كان أوّل من تقدّم منهم للقتال، ولده عليّ الأكبر عليه السلام، فالتمس الإذن من أبيه عليه السلام وقد نظر إليه عليه السلام نظر آيس منه وأرخى عينيه بالدموع

يگله والدمع بالعين دفاگ

يبويه اداعة الله هذا الفراك

ابعبره امكسره وبگلب خفاگ

 يبويه اشبيدي هذا المگدر


ثمّ رفع شيبته الكريمة إلى السماء وقال:"اللهم اشهد على هؤلاء القوم,فقد برز إليهم غلامٌ,أشبهُ الناس برسولك محمّد صلى الله عليه وآله وسلم خَلقاً وخُلُقاً ومنطقاً,وكنّا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيّك صلى الله عليه وآله وسلم نظرنا إليه، ثمّ صاح بعمر بن سعد قائلاً:"مَا لَكَ قطع الله رحمك ولا بارك لك في أمرك,وسلّط عليك من يذبحك على فراشك,كما قطعت رحمي, ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,ثمّ ودّع عليّ الأكبر عليه السلام أباه وأمّه وعمّاته وأخواته,فأحطْنَ به,وتعلَّقنَ بأطرافه,وقُلْنَ له:"يا عليّ ارحم غُربتنا فلا طاقة لنا على فراقك".

ناداهُنَّ الحسين عليه السلام :"دَعْنَهُ فلقد اشتاق الحبيبُ إلى حبيبه".

انحدر نحو الميدان,حمل على الأعداء,وهو يرتجز ويقول
 

أنَا عَليُّ بنُ الحُسينِ بنِ عَليّ

تَاللهِ لا يَحكُمُ فِينَا ابنُ الدَعِي

أضرِبُكُم بِالسيفِ أَحمِي عن أبي

نَحنُ وَبيتِ اللهِ أَولَى بِالنَبيِّ

أَطعَنُكُم بِالرُمحِ حتّى يَنثَنِي

ضَربَ غُلامٍ هَاشِمِيٍ عَلَوي

حمل على الأعداء,يضرب فيهم يميناً وشمالاً,حتّى أكثر القتل فيهم...لكن ما أسرع أن عاد إلى أبيه الحسين عليه السلام وقد كظَّه العطش منادياً:أبَهْ,العطشُ قد قتلني,وثقلُ الحديد أجهدني,فهل إلى شربةِ ماءٍ من سبيل أتقوّى على الأعداء.

فبكى الحسين عليه السلام وقال:"واغوثاه يا بنيّ,من أين آتي لك بالماء,بني ارجع لقتال عدوّك,فإنّي أرجو أن لا تمسي حتّى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى, شربةً لا تظمأ بعدها أبداً".

رجع إلى الميدان,جعل يقاتل قتالاً شديد البأس قويّ المراس، حتّى ضجّ العسكر من كثرة ما فتك بهم, فقال اللعين (مرّة بن منقذ العبديّ لعنه الله):عليَّ آثامُ العرب إن لم أثكل أباه به,وشدّ الخبيث على شَبَهِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فطعنه بالرمح على ظهره,ثمّ ضربه بالسيف على رأسه ففلق هامته,فاعتنق عليّ عنق الفرس,آملاً منه أن يرجعه إلى أبيه الحسين عليه السلام ,ولكنّ الفرس أخطأ الطريق,فحمله إلى الأعداء,فأحاطوا به من كلّ جانب...وجعلوا يضربونه بأسيافهم...
 

هذا يگطع بسيفه وريده

وهذا يغط من رمحه الحديده

وهذا بالخناجر فصل إيده

بخاصرته وهو يعالج ويفخر

ثمّ هوى إلى الأرض منادياً...أبتاه عليك منّي السلام,هذا جدّي رسول الله قد سقاني شربةً لا أظمأ بعدها أبداً,وهو يقول لك العَجَلَ...العَجَلَ فإنّ لك كأساً مذخورة.

جاءه الحسين عليه السلام مسرعاً,فرآه مقطّع الأوصال,انحنى عليه منادياً: "بنيَّ عليّ"لم يسمع جواباً..."بني عليّ"، لم يسمع جواباً...وضع خدّه على خدّ ولده "بني عليّ"، لم يسمع جواباً..."بُنيَّ قتل الله قوماً قتلوك يا بُنيَّ,ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ..على الدنيا بعدك العف، يعزّ على جدّك وأبيك أن تدعوهما فلا يجيبانك,وتستغيث بهما فلا يغيثانك، أمّا أنت يا بنيّ فقد استرحت من همّ الدنيا وضيمها,وقد صرت إلى رَوْحٍ ورَيحان,وبقي أبوك وما أسرع الملتقى".

يا بني شلون سيف الوصل ورداك

امن الكوثر يا بويه اليوم ورداك

گعد عنده وصفگ راحين علي راح

گام وصاح يا زينب علي راح

 گطع گلبي وصللّك گطع ورداك

يا بني وآنه ظلمّت الدنيا عليّه

شافه والنبل شابك علي راح

يا ختي وآنه اظلمت الدنيه عليه

ولكن عمّته زينب,لمّا رأت أخاها الحسين عليه السلام منكباً على ولده خافت عليه أن يغتالوه,لذا خرجت من الخيمة صائحة واولداه...واعليّاه، لمّا سمع الحسين عليه السلام أخته زينب عليها السلام قام,وقد ترك ولده منادياً:يا بني هاشم احملوا أخاكم عليّاً..

جاء بنو هاشم بأوصال عليٍّ على بساط يحملونه إلى المخيّم,أدخلوه إلى الخيمة,جلس الحسين عليه السلام عنده باكياً,ومعه النسوة العلويّات منادياً واولداه... واعليّاه ..

يا بويه من عدل راسك ورجليك

ينور العين كل سيف الوصل ليك

بُنًيَّ بَكَتكَ عُيونُ الرِجالِ

بُنَيَّ حَرَامٌ عَليَّ الرُقَادُ

ومن غمّض عيونك واسبل ايديك

 گطع گلبي ولعند احشاي سدر

 لِيومِ نَزيلِ وِيومِ نِزِالِ

وأنتَ عَفيرٌ بِوَجهِ الرِمَالِ
 


*مجالس السيرة الحسينية,نشر جمعية المعارف الاسلامية,الطبعة الرابعة,ت2,2009/1430-ص53