المقالات
محطات من محرم الحرام
مسلم بن عقيل ثبات وشهادة
علي الأكبر(ع) تضحية ووفاء
العباس (ع) تضحية ووفاء
الطالب بدم المقتول بكربلاء
مصائب النسوة والأطفال
تاريخ النهضة الحسينية
في درب الشهادة
رجال حول الحسين
سفير الحسين
عاشوراء والإمام الخميني
مواقف خالدة
رحلة السبي
خصائص ومرتكزات
شهادة الإمام السجاد
محطات قدسية
مجالس ومأتم
معرض الصور
لوحات عاشورائية
مراقد وأماكن مقدسة
مخطوطات
المكتبة
المكتبة الصوتية
المكتبة المرئية
 
 


الليلة الخامسة

قَليلٌ بَكُائِي على ابنِ عَقيلِ
بِنَفسي أسيراً بأيدِي الضَلَال
وأَعظَمُ مَا كَان في قَلبِهِ
مُحَاذَرةً أنْ يَذوقَ الحسينُ
لأَبكَى مُصَابَكَ سِبطَ الرسولِ
يَعِزُّ عَليَّ بَأنّي أراكَ
ظَمَأتَ وَآلَيْتَ أن لا تَعُبَّ
لِعِلمِكَ أنَّ ابنَ بِنتِ النَبِّي
فَكُنتَ مُواسِيهِ قَتلاً بِقتلٍ
سُقوطُكَ مِن فَوقِ عَالي البِنَا
أَرَاعَ فُؤادِي شَدُّ الحِبَالِ
وَسَحبُكَ في السوقِ بَينَ الأنامِ
عمل كوفان هد حيلي وهاني
يوسفه رجل مسلم وهاني
ويلي والمگدر گضى وشاعت اخباره
وهاني انقتل عقبه وبگت داره

وإنْ سَالَ دَمعِيَ كُلَّ مَسيلِ
قَادُوهُ لِلموتِ قَودَ الذَلُولِ
مِنَ الهَمِّ ذِكرُ الحسينِ النَبيلِ
مَا ذَاقَهُ مِن جَفَاءِ النُغولِ
وَكانَ بُكاهُ بِعَينِ الرسولِ
قَلِيلَ النَصيرِ كَثيرَ الخُذُولِ
إلَّا مِن الكَوثَرِ السَلسَبيلِ
يَلقَى المَنيَّةَ صَادِي الغَلِيلِ
وَحَرَّ غَلِيلٍ بِحَرِّ غَلِيلِ
ارتفِاعُكَ عن نَزوَاتِ الخُمولِ
بِرِجلَيكَ يَا بُغيَةَ المُستَنِيلِ
أورَثَ جِسمِيَ دَاءَ النُحولِ
ولا شربي صفى طيب وهاني
بحبل بالسوق جروهم سويه
ورموه الگوم من گصر الامارة
مظلمه ولا بعد واحد يصلها


لمّا أمسى ابن عقيل في الكوفة بلا ناصرٍ، ولا من يخفيه عن طلب الطاغية ابن زياد، وقد أضرّ به التعب والعطش، أمال على دار امرأة تنتظر ابنها على باب دارها، فطلب منها الماء فأعطته، ثمّ أطال الجلوس بباب دارها، فخاطبته بعدم الإذن أن يجلس على باب الدار، قام مسلم وقال: أمة الله، ما لي في هذا المِصْرِ أهلٌ ولاعشيرة، فهل لكِ إلى أجر ومعروف، لعليّ مكافئك به بعد هذا اليوم، قالت:يا عبد الله ومن أنت؟ قال:أنا مسلم بن عقيل، كذّبني هؤلاء القوم وغرّوني وأخرجوني من دياري، ثمّ خذلوني ولم ينصروني وتركوني وحيداً.

قالت أنت مسلم؟!قال:نعم، قالت:أدخل.فأدخلته بيتاً في دارها.غير البيت الذي هي فيه، وعرضت عليه الطعام فلم يأكل.
وفي الصباح سمع مسلم وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال، فعرف أنّه جاء الخيل في إثره، التفت إلى طوعة وقال لها:رحمك الله وجزاك خيراً.وخرج إليهم بسيفه واقتحموا عليه الدار، فشدّ عليهم يضربهم بسيفه، حتّى أخرجهم من الدار، ثمّ عادوا إليه فشدّ عليهم وهو يقول:
 

ويلي... تدرون بيّه هاشمية

أنا شبيدي على دهر الخان بيّه

وكلمة عدو صعبه عليّه

أنا إمنين إجتني الغاضرية


ألذلك حبيب لمّا جاء وجلس أمام خيمتها متحسّراً باكياً,وهو يقول:آهٍ لوجدك يا زينب؛ يوم تحملين على بعير ضالع,ورأس أخيك الحسين عليه السلام على رأس الرمح، تحفّ به رؤوس أهل بيته وأصحابه، وكأنّي برأسي معلّق في عنق الفرس يضربه الفرس بركبتيه، لمّا سمعت زينب قالت:يا حبيب لقد أخبرني بهذه المصائب ابن أمّي الحسين البارحة...

وَلَوَدَدْتُ أنّي عمياء ولا أرى هذه المصائب.

هُوَ الموتُ فَاصنَع وَيْكَ مَا أنتَ صَانِعُ

وَصَبراً لأمرِ اللهِ جَلَّ جَلالُهُ

فَأنتَ بِكَأسِ الموتِ لا شَكَّ جَارِعُ

فَحُكمُ قَضَاءِ اللهِ في الخَلقِ ذَايعُ


فلمّا رأَوا ذلك منه أشرفوا عليه من فوق البيوت، وجعلوا يرمونه بالحجارة، ويلهبون النّار في أطناب القصب، ثمّ يلقونها عليه من فوق السطوح، فلمّا رأى ذلك منهم خرج إليهم مصلتاً سيفه،

وجعل يقاتلهم قتالاً شديداً وهو يقول

أقسَمتُ لا أُقتَلُ إلَّا حُرَّاً

كُلُّ امرِىءٍ يَومَاً مُلاقٍ شَرَّاً

وَلَو رَأيتُ الموتَ شَيئاً نُكرَا

أخَافُ أنْ أُكَذَّبُ أو أُغَرَّا


إلى أن دنا منه ابن الأشعث، وقال:يا بن عقيل لك الأمان، فلا تقتل نفسك وأنت في ذمّتي، فقال مسلم:"أَأُوسر وَبي طاقةٌ..لا والله لا يكون ذلك أبداً، وأيّ أمان للغَدَرَةِ الفَجَرَةِ"، ثمّ حمل على ابن الأشعث فهرب منه، فرجع مسلم مكانه وهو يقول:"اللّهم إنّ العطش قد بلغ منّي ما تعلم".

هذا وقد كادوا له بتلك الحفرة التي صنعت له، وما أن وقع فيها وهو يكرّ عليهم، حتّى تكاثروا عليه وأسروه وانتزعوا سيفه، وكأنّه آيس من نفسه، فدمعت عيناه، ثمّ قال:هذا أوّل الغدر.

فقال له ابن الأشعث:إنّي لأرجو أن لا يكون عليك بأس.فقال مسلم:"ما هو إلّا رجاء فأين أمانكم...إنّا لله وإنّا إليه راجعون".ثمّ بكى، فقيل له:إنّ الذي يطلب مثل الذي طلبت لا يبكي إذا نزل به مثل الذي نزل بك.فقال مسلم: والله ما على نفسي بكيت... ولكن أبكي لأهلي المقبلين عليكم... أبكي للحسين عليه السلام وآل الحسين عليهم السلام ".

حتّى أدخلوه القصر لابن زياد، فلم يسلّم عليه، ودار بينهما جدالٌ عنيفٌ انتهى بأن شتم اللعين ابن زياد مسلماً وعليّاً وعقيلاً والحسن والحسين عليهم السلام، فأجابه مسلم: أنت وأبوك أحقّ بالشتم من هؤلاء فاقض ما أنت قاضٍ يا عدوّ الله، فنادى ابن سعد بكر بن حمران وقال له:اصعد واضرب عنقه، وأتبعْ رأسَهُ جَسَدَهُ.

فصعد به إلى أعلى القصر ومسلم يكبّر ويستغفره ويصلّي على نبيّه، ويقول:اللّهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلون، فلمّا صار في أعلى القصر وجّه وجهه إلى ناحية الحسين عليه السلام وقال:السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا ابن رسول الله...ثمّ ضربت عنقه، فأهوى رأسه إلى الأرض وأتبع رأسه جسده فتكسّرت عظامه.أقبل الناس يسحبون مسلم وهاني بن عروة رجليهما بالحبال في الأسواق طيلة ذلك النهار.

وقد كانت طوعة حضرت هذه الفاجعة برمّتها مع مسلم، وما جرى عليه، بحيث ما كانت تبرح مخيّلتها حديث مسلم...شجاعة مسلم...مظلوميّة مسلم... وصيّة مسلم لها...إذا جاء ركب الحسين عليه السلام فاقرأي عنّي السلام وخُصّي سلامي إلى ابنتي حميدة (التي عمرها خمس سنوات).

بقيت تبكي طوعة على مسلم ليلاً ونهار، إلى أن جاؤوا بسبايا أهل البيت إلى الكوفة في تلك الخربة، أقبلت طوعة واستأذنت في الدخول على الحوراء زينب عليها السلام فقالت لها زينب عليها السلام :أخيّه من أنت؟ قالت:"أنا طوعة التي آوت ابن عمّك مسلم، قالت لها زينب عليها السلام :بلى يا طوعة حدّثيني عن حالات ابن عمّي مسلم، قالت طوعة:لله درّ ابن عمّك مسلم، فلقد ذكّرهم في ذلك اليوم بشجاعة عمّه أمير المؤمنين عليه السلام ولكن يا سيّدتي، بلغني أنّ معكم يتيمة لمسلم، قالت عليها السلام :بلى، ولمّا جاءت حميدة وقد بلغها أنّ طوعة التي أجارت أباها مسلم فبادرت تسألها:

عمه يا طوعه إحكيلي إشصار

يگولون لي الكوفة كبيره

يبويه مسلم والله حيره

عمه يا طوعة إحكي لي حاله

غسله وعن الگاع شاله

يفيِّ عليّ وعلى عياله

وَكَم طِفلَةٍ لَكَ قَد أعوَلَتْ

يُعَزِّزُهَا السِبطُ في حِجرِهِ

من دارت بوالدي الكفار

وعدوانه بيها كثيره

يتيمه صرت وآنا صغيره

من طاح ياهو التدنى اله

أنا كنت أرتجي عمي بداله

وَجَمرَتُهَا في الحَشَا قَادِحَة

 لِتَغدُو وَفي قُربِهِ فَارِحَه

 


*مجالس السيرة الحسينية,نشر جمعية المعارف الاسلامية,الطبعة الرابعة,ت2,2009/1430-ص33