المقالات
محطات من محرم الحرام
مسلم بن عقيل ثبات وشهادة
علي الأكبر(ع) تضحية ووفاء
العباس (ع) تضحية ووفاء
الطالب بدم المقتول بكربلاء
مصائب النسوة والأطفال
تاريخ النهضة الحسينية
في درب الشهادة
رجال حول الحسين
سفير الحسين
عاشوراء والإمام الخميني
مواقف خالدة
رحلة السبي
خصائص ومرتكزات
شهادة الإمام السجاد
محطات قدسية
مجالس ومأتم
معرض الصور
لوحات عاشورائية
مراقد وأماكن مقدسة
مخطوطات
المكتبة
المكتبة الصوتية
المكتبة المرئية
 
 

كيفية ترتيب موضوع محاضرة المنبر الحسيني 2

لقد قلنا أن أهم المصادر التي يمكن أن يعتمد عليها خطيب المنبر الحسيني في تهيئة الموضوع هي كتب التفاسير وكتب الأحاديث الشريفة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام وما كتبه العلماء والمفكرون والمؤلفون الإسلاميون من مؤلفات ودراسات تناولت الأبعاد المتنوعة للفكر الإسلامي ومدرسة أهل البيت عليهم السلام. إضافة إلى بعض المصادر التي تهيئ ما يسمى بالشواهد الأدبية والتأريخية من قصص وشعر وروايات، وبما يتلائم وفقرات الموضوع.

- ولقد ذكرنا أن الآية القرآنية: هي أفضل عنوان للمحاضرة في هذا المجال يمكن أن نستفيد من كتاب (المعجم المفهرس لآيات القرآن الكريم) للكاتب محمد فؤاد عبد الباقي هو كتاب مهم بالنسبة للخطيب حيث يتم من خلاله استخراج الآية وموقعها في القرآن الكريم بيسر ودقة.

- أما بالنسبة للمحاضرة: حيث يتم الاستفادة من كتب التفسير كما ذكرنا آية قرآنية وهي تعين كثيراً في هذا المجال وتفتح أمام الخطيب مجالات للإبداع والتألّق. وهناك كتب تفسير كثيرة ولعل من أنسبها للخطيب تفسير (الأمثل) لمؤلفه الشيخ ناصر مكارم الشيرازي حيث أن هذا الكتاب يذكر لكل آية كريمة عدة آراء تعين الخطيب على وضع هيكلية نافعة لمحاضراته.

إن لكل كتاب تفسير ميزة، فبعضها لها اتجاه أدبي وبعضها لها اتجاه فلسفي وبعضها فيها اتجاه لغوي حسب اتجاه المفسرين واختصاصهم، ولهذا فإن من الأفضل لموضوع المحاضرة يجب أن يكون مشتملاً على آراء المفسرين من كافة الاختصاصات، حيث ينظر، كل واحد إلى الآية من بعد حتى تعطي الآية أبعاداً مختلفة بتعدد طرق الإستفادة منها. وعلى الخطيب مراعاة البيئة والمستوى الثفافي والتعليمي لدى الغالبية العظمى لروّاد مجالسه.

ثم يأتي دور أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت ولعل أفضل كتاب هو كتاب (ميزان الحكمة) وهو كتاب رائع جداً ومبوّب حسب الموضوعات كما سبق بيانه.

إذ فيه الأحاديث والروايات التي يحتاجها الخطيب ويُركّز على كل فقرة تُستفاد من الآية الكريمة وكل هذا إلى الآن ليس كافياً، وإنما يحتاج الخطيب إلى شواهد وقصص وأبيات شعر، ويحتاج إلى فكرة معينة، لطيفة معينة، حكمة معينة، وهذه تُأخذ من كتب تُعنى بالشواهد الأدبية والتأريخية (قصص وأشعار). وهي غير محددة بمصدر، وليس لها كتاب خاص إذ يمكن الاستفادة من كل شيء نافع ومفيد، حيث يمكن أن يستفيد الخطيب من برنامج إذاعة أو يستفيد من برنامج تلفزيون أو يستفيد من جريدة، من مجلّة، من بيت شعر مكتوب في الشارع فيسجله، حكمة يسمعها يسجلها. لكن هناك كتب تعتبر منجماً لهذه الشواهد إذ تكون حاوية للعديد من هذه الأمور ومن هذه الكتب (كتاب المستطرف في كل فن مستظرف)، المبوّب حسب الموضوعات في طبعته الجديدة.

ويمكن الاستفادة من كتب الكشاكيل مثل كشكول البهائي أو كشكول البحراني وبقية المصنفات التي صنعت بإسلوب كتاب الكشول. ويمكن أن نستفيد منها كمصادر للشواهد.

كما نذكر كتاب (العقد الفريد) لابن عبد ربّه الأندلسي، وكتاب (محاضرات الأدباء) للراغب الاصفهاني والبيان والتبيين للجاحظ وغيرها. وكما نعلم فإن على عاتق الخطيب الحسيني تقع مهمة إفهام المستمع للأفكار والمفاهيم المطروحة، لذلك نجد الخطيب في همٍّ دائم ونشاط مستمر. إن الخطابة مهمة شاقة ومتعبة ويجب أن يكون لدى الخطيب الناجح دفتر خاص يحتوي على عدة حقول يرتب فيها الشواهد التي اقتنصها واستخرجها من مختلف المصادر والمراجع ولكي تسهل مراجعته لهذه الشواهد فإن من الأفضل له أن يجعلها ضمن حقول وأقسام فالحقل الأول مثلاً يكتب فيه كل ما يتعلق بالقرآن الكريم وشؤونه، والحقل الثاني يخصص للسيرة، والثالث للأخلاق، والرابع للحِكَم، والحقل الخامس للمواعظ، وهكذا. إن هذا الكتاب يسمى (المجموعة) وهو على شكل كشكول مبوّب. ولدى كل خطيب من خطباء المنبر الحسيني، وربما غيرهم كذلك، مجموعة أو عدة مجموعات خاصة به يدّخر فيها نفائس ما يحصل عليه من شواهد أدبية وتاريخية وغيرها.

وعندما يريد الخطيب أن يعالج موضوعاً ما، فإنه يرجع فيه إلى دفتره الخاص، هذا الدفتر الذي يعرفه الخطباء بـ (المجموعة) ولهذا لا يمكن أن يعتمد الخطيب على كتاب واحد في الشواهد.

وبالعودة إلى المصادر فإن من مصادر الشواهد: (كتاب الغدير) وهو أحد عشر مجلداً (للعلامة الأميني) يحتوي على أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الغدير وكل ما قيل في الغدير شعراً وترجمة الشاعر وفيه مواضيع يستفيد منها الخطيب في مجالات مختلفة، تراجم، عقائد، أدب، تاريخ وغيرها.

كما لا يستغني الخطيب عنه كتاب (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد ويحتوي الكتاب مجموعات من نقاط أدبية وتاريخية رائعة.

ومنها كتاب (حياة الحيوان الكبرى) للدميري وهو من الكتب الرائعة، فيه قصص وشعر وبشكل رائع وغريب، وهو مخزن للأشعار والقصص والطرائف فهو يأخذ حيواناً ما: مثل الخفاش، ثم يأتي بحديث يذكر منه الخفّاش كأن يقول أنه من طيور الليل فيذكر أنواع طيور الليل وما قيل فيها من قصص وشعر وأدب، وعن قصص وشعر حول الخفّاش يذكرها ويذكر كذلك تأويل ما معنى رؤية الخفاش في النوم.

وسمعت الدكتور الشيخ الوائلي يقول:أنه قد قرأ كتاب حياة الحيوان الكبرى خمس مرات وهو متلهف أن يقرأه أكثر من ذلك.

ونذكّر أن أكثر ما يستفيد منه الخطيب كتب التفسير، والتفسير هو المتكفل بصياغة هيكلية المحاضرة ثم تأتي مرحلة استخراج الأحاديث المناسبة للآية، وما فسرت به، ويأتي بعد ذلك دور البحث عن الشواهد من قصص وأشعار التي يمكن أن توضِّح كل فكرة وكل نقطة.

وتعريجاً على موضوع الإنفاق الذي ذكر كمثل في درس سابق حينما نأخذ الآية الكريمة التي تقول ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ، وفيها أن الإنسان لا يستطيع أن يصل إلى المستوى الرائع إلا إذا أنفق مما أحب، هي فكرة جيدة يجب البحث عن قصة أو حادثة معينة وقعت مع إنسان مؤمنّ لكي تكون توضيحاً للموضوع ودعماً له، حتى يتفاعل الجمهور مع الفكرة. لهذا يستطيع الخطيب أن يأخذ نظرة عامة عن كيفية كتابة البحث كيفية كتابة المحاضرة كيفية تهيئة أدوات كل شيء موجود وعليه بعد ذلك البناء.

من الحكمة أن يعرف الخطيب كيف يرتب وينسّق معلوماته وشواهده حتى يكون هناك إنتاج جميل ويكون هناك منزل رائع وبناء يبهر الأنظار، ويستفيد الناس منه. هذه الخطوة أساسية في مسألة كتابة موضوع البحث والمحاضرة. إن التفاسير موجودة، والأحاديث متوفرة. والشواهد والقصص متناثرة في مصادرها، والأفكار مبثوثة في الكتب، وأجهزة الإعلام، والخطيب الحسيني الناجح هو من يسعى بجهد في جمع هذه المعلومات، ثم صياغتها وطرحها بأفضل أسلوب وأروعه.

إن مشكلة بعض الخطباء، أنهم لا يستطيعون أن يميزوا ما بين ما هو نافع للناس وما هو غير نافع، فليس كل ما يُقرأ في الكتب يتكلم به على المنبر؛ هذا خطأ كبير قد يقع فيه بعض الخطباء لا سيما المبتدئين منهم، لأن عالم الكتب شيء وعالم المنبر والخطابة شيء آخر ولعل من أبرز الأمثلة في هذه المسألة، ما يذكر من أمور تتعلق بسيرة الإمام الحسين عليه السلام، وأبرز رموز واقعة الطف، وما جاء فيها من أخبار وآثار وروايات وتفسيرات- ولهذا فقد يقرأ الخطيب رواية قد تكون غير محققّة أو مما يثير استغراباً أو ممّا يحتاج للتفسير والتوضيح، فإذا ذكرها على المنبر ببراءة واسترسال وإذا بالانتقادات توجّه إليه، وقد يتطور الأمر إلى أكثر من ذلك. ولهذا على الخطيب مهمات لا يُبتلى بها غيره.

إن مهمة الخطيب الحسيني مهمة كبيرة عليه أن يستعين بالله عز وجل وبركات الإمام الحسين عليه السلام لنجاح مهمته وأداء مسؤوليته.

هذه معلومات عامة عن كيفية كتابة محاضرة في منبر الإمام الحسين عليه السلام ومن المهم جداً في توظيف الشواهد المطلوبة أن يعد كل خطيب دفتراً(مجموعة) ويفضل الدفتر الذي تقطع أطرافه لوضع عناوين تثبت فيها الشواهد الأدبية والتاريخية ويمكن أن يقسم هذا الدفتر أو المجموعة كما سبق أن بينّا إلى عدة أبواب:

1- القرآن:
حيث يذكر فيه كل ما يتعلق بالقرآن من أقوال وقصص وأشعار وأبحاث وإحصاءات. فإذا كانت عندك محاضرة حول القرآن الكريم مثل الإعجاز أو تلاوة القرآن أو التدبر فيه أو أي علم من علوم القرآن، لجئت إلى هذا الباب فأخذت الشاهد المناسب.

2- السيرة:
ويذكر في هذا الباب كل ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام من قصص وأحاديث منتقاة وأحداث ومواقف وأشعار. حيث تأخذ من هذا الباب ما يغني محاضرتك إذا كانت حول سيرته عليه السلام، أو تأخذ من هذا الباب ما يقوي محاضرتك ويدعمها في موضوعات أخلاقية أو تربوية أو فكرية أخرى.

3- الأخلاق:
حيث تثبت القيم الأخلاقية وقصصها وأشعارها وما قيل فيها من دروس وفوائد وإحصاءات وكل حالة لها علاقة بالأخلاق. وتلجأ إلى هذا الباب عند كتابة محاضرة في موضوع من موضوعات علم الأخلاق، فإذا أردت الكتابة عن حق الجار فرضاً، فإنك تبحث في هذا الباب عن أي قصة أو بيت شعر أو حديث أو فكرة عن الجوار فتكون بذلك محاضرتك نافعة وذات جاذبية من قبل الجمهور.

4- الحِكَمْ:
حيث تذكر الكلمات ذات البعد الحكمي والقصص والأحاديث وأشعار الحكمة والكلمات ذات الدقة العلمية، وهي مما تُرصِّع به محاضراتك وتعمّقها في النفوس، حينما تذكر حكمة مناسبة جداً مع نوعية محاضرتك.

5- المواعظ:
حيث تسجل في هذا الباب كل ما يتعلق بالآخرة والموت والقبر والزهد من أشعار وقصص ..وتستفيد من هذا الباب كثيراً في كتابة المحاضرات الوعظية ومجالس تأبين الموتى، فيما يُعرف بمجالس الفاتحة أو الأسابيع والأربعين وحسب العادة المتبعة. وعلى ذكر مجالس تأبين الموتى، فإنها تحظى بأهمية كبيرة بالنسبة لخطيب المنبر الحسيني إذ توفر له هذه المجالس فرصاً مميزة للوعظ والإرشاد ومع أناس قد لا يعرفون مسجداً ولا التزاماً ولا ديناً من الذين قد يكونون من أقرباء وأصدقاء المتوفى.

إن تسجيل الأشعار القوية المؤثرة والقصص المنتقاة، والأحاديث الدقيقة المناسبة، ثم طرحها بعد ذلك وبشكل علمي ودقيق في المحاضرة، لممّا يجعل للمحاضرة أثراً بالغاً في المستمعين. وقد يهتدي بفضل محاضرتك أناس من غير الملتزمين فيا لها من منزلة عند الله وكرامة عند لقائه تعالى.

6- اللطائف:
من أشعار ونكات خفيفة وقصص ونوادر، قد يحتاجها الخطيب ليطعّم بها محاضراته. إذ أن القلوب تملّ كما تملّ الأجسام، كما ورد في الحديث، ولهذا يختار لها لطائف الحكمة من غير فحش، وأبرز ما يستفاد من هذه النكات في مجالس شهر رمضان وبقية الأشهر، في حين يجب تجنب ذلك في مجالس عاشوراء وبشكل مطلق.

ويستفيد الخطيب من هذا الكشكول (المجموعة)، في ترصيع محاضرته بالشواهد المطلوبة، من أجل طرح موضوع متكامل، يترك أثره في المستمعين، فيؤدي إلى ربطهم بإسلامهم ومفاهيمه وقيمه.

كما يمكن أن تضاف أبواب أخرى -حسب اختيار الخطيب- مثل الإحصائيات الجديدة، وأخبار وشواهد عن المجتمع والحضارة الغربية، وغير ذلك. أكتب في مجموعتك ودفترك الخاص كل ما تتوقع أن تستفيد منه ذات يوم. أكتب ووثّق كل معلومة تصل إليكَ، إذ قد تأتي الفرصة التي تستفيد منها من معلومة قد كنت تتصور ذات يوم أنها ليست بذات فائدة.

وربما تزداد المعلومات عند الخطباء فيحتاجون إلى أكثر من دفتر ودفتر، ومجموعة ومجموعة وبعد كل هذه الدروس النظرية، لا بد أن ننزل إلى المكتبة، كي نجرّب عملياً تطبيق ما درسنا في صياغة بعض المجالس.


* دروس في بناء المجلس الحسيني. نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية. إعداد: معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني.ص: 76-83. ط: شباط، 2003م- 1423هـ .